العدد 5366
السبت 24 يونيو 2023
banner
فنُّ المواساة
السبت 24 يونيو 2023

طوبى لآبائنا، فقد ربونا على الدين القويم واحترام القيم، والولاء للأرض والتعلق بالتراث الذي أُورثناه؛ فسلمناه للأبناء الذين نرجو منهم أن يحفظوه في المقل ليسلموه بدورهم للأجيال القادمة، وعلى الرغم مما أورثناه من ميراث ثمين، إلا أنه يفتقر لسمة البوح والتعبير عن الشعور بالحب والتعاطف مع الآخرين، إلا في نطاق ضيق وبحدود لا تُجاوز، لاسيما بين الجنسين. إن إظهار مشاعر الفرح والحزن والحب والعطف كانت ولا تزال تُعدُّ نوعاً من الضعف وضرباً من المبالغة غير المستساغة في مجتمعاتنا، ومبعثاً على الحَرج من عدم التقبل، وخوفاً من سوء الفهم والرفض للمواساة والمشاركة الوجدانية في الأفراح والأتراح. إنا وجدنا آباءنا على التمنع ورفض البوح وإنا على آثارهم مهتدون، لذا فنحن لسنا بخير، حين نغرقُ في غيابتِ الحزن، ولا نجد من يربتُ على أكتافنا ويحتوينا ويواسينا في أوقات الشدة والعُسرة بكلمات تُهدئُ خواطرنا وتُطفئُ نيران الأسى في أفئدتنا؛ فيتآكلُنا الإحباط، وتلتهمُنا الوحدة مع آلامنا وهمومنا. لسنا بخير، حين تخوننا الكلمات في أوقات الشدة، فنعجزُ عن مواساة من نحب ولا يسعفنا “البحث في قوقل” للتعبير عن أسانا للعزيزين على قلوبنا، فنردَّ بعباراتٍ خاوية متخاذلة تتلقفها الألسن في كل مأتم ومحفل، لتكون تلك العبارات اليابسة شعلة تؤجج وجْدَ المكلوم وتضطرم في فؤاده.
لماذا لا نتعلم فن المواساة، وأساليب التعاطف والمشاركة؛ فنرفع من معنويات المحزونين ونستبدل طاقاتهم السالبة بأخرى إيجابية، ونعيدهم للحياة من جديد؟ لمَ نكتفي بمشاهدتهم يعانون وينتحبون دون أن نحرك ساكناً ونشعرهم بأنهم ليسوا بمفردهم فننهض لاحتضانهم في حضرة الحزن؟ هم ليسوا بحاجة لأن نطلب منهم التوقف عن البكاء، بل بحاجةٍ لأن نمنحهم الفرصة لذرف الدموع، وليسوا بحاجة للكبت، بل للتعبير عن مشاعر الحزن والألم والغضب والإحباط. هم ليسوا بحاجة للوعظ والنصيحة، بل بحاجة لأن نأخذ بيدهم ونكون معهم ونساندهم بالقول اللين اللطيف وندعمهم بإيجاد الحلول وتقديم العون والتخفيف عن وطأة الأيام العسيرة والظروف الخانقة. لنتعلم فن الاحتواء حين تخنق العبرة من نحب، ولنمسح خديه حين تُذرفُ من عينيه الدموع، وذلك هو الفن الذي يُعلمنا اللطف والعطف، وهو الفن الذي يُذكي لدينا الشعور بآلام الآخر وشدته.

كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .