العدد 5355
الثلاثاء 13 يونيو 2023
banner
عقوق الوالدين والسوشال ميديا
الثلاثاء 13 يونيو 2023


"العفو منكم يا أبنائي، أفسدت متعتكم وقاطعت اجتماعاتكم الافتراضية.. اقتحمت خصوصياتكم وسرقت أوقاتكم، فسامحوني. أزعجتكم؛ فأخرجتكم من أطواركم وجعلتكم تصرخون في وجهي لأنني سألتكم عمن تحادثون، وأجبرتكم على ترك المكان والانعزال في حجراتكم لأنني طلبت منكم المساعدة وقت انشغالكم بهواتفكم. أنتم مشغولون جدا، لا تفترون عن العمل على هواتفكم وحواسيبكم، فكل الذنب ذنبي إذ أضعت وقت لعبكم ومحادثاتكم ومشاهداتكم على التيك توك والريلز، لكنني كنت أريد أن أخبركم بموقف حدث لي اليوم، وكنت أرغب في تحذيركم من تطبيق ما وأشخاص بعينهم، كنت أريدكم أن تهتموا بدراستكم بالذات في أوقات الامتحان، كنت فقط أريد أن أربيكم لأنه واجبي، وكنتم ترفضون. علمتكم البر، ثم كبرتم فتعلمتم من غيري العقوق.. أهذا الذي أمر به الله؟!".
لسان حال أم تعاني من سوء الأدب ووجع العقوق ممن يتوجب عليهم البر والإحسان، من فلذات كبدها التي تفطرت عليهم من المهد إلى اللحد؛ فمن صاحب السوء الذي زين لهم العقوق والعصيان لمن جاء بهم إلى الوجود؟ أليس الوالدان أحقّ الناس بالرعاية والعناية، وهما اللذان يُضحيان براحتيهما لأجل الأبناء، ويبذلان كلّ ما يستطيعان للسهر على راحة أبنائهما ورعايتهم منذ ولادتهم حتى آخر عمرهم؟ الأم والأب هما رمز الوفاء والتضحية، والحياة دونهما لا تشبه إلا الموت، ولا يعرف قيمة الوالدين إلا من عاش حياة اليتم وقد حرم من أحدهما أو كليهما. لكل ما ذكر ولم يذكر من جميل صنعهما، فإنّ طاعة الوالدين واجبة وبرهما لازم، ولن ينفع الأبناء أصحابهم الذين يحادثونهم ليلاً ونهاراً، ولا برامج السوشال ميديا التي لا تتوقف عن العمل في هواتفهم إلا بنفاذ شحنها؛ ففي الوقت الذي يأمر فيه الخالق عز وجل الأبناء بطاعتهما ومعاشرتهما بالمعروف وعدم نهرهما أو التأفف في حضرتهما مهما كانت الظروف والأحوال، تراهم يتفننون في نهرهما ورفع أصواتهم في وجهيهما، ولا عذر لهم في ذلك البتة، حتى أنهم أصبحوا يُفندون الأحاديث، ويفسرون الآيات التي تدعو لطاعة والديهم والبر بهما حسب أهوائهم، أعانتهم على ذلك وسائل التواصل التي تحرف الدين، وتسخر من الأعراف، وتحط من قدر الوالدين وتسخف بتضحياتهما، والتي قدماها لأبنائهما، والتي توجب الاعتراف بالجميل لا النكران.
كمٌ هائل من الفيديوهات تصل لأبنائنا على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد فيها الأبناء آباءهم في قوالب ساخرة من قبل صناع محتوى شباب يهزأون فيه من ردود أفعال الأمهات والآباء تجاه تصرفات الأبناء بصورة سلبية تدفع المتابعين من الشباب للسخرية من والديهم وانتقادهم على الدوام. وليس كما يظن الأبناء، فالخضوع لأوامر الأبوين ليس استعبادا، بل عبادة لله وتنفيذا لأوامره جل وعلا؛ فحين تقدم الأم والأب الخير والمعروف لأبنائهما فإنّهما لا ينتظرانِ أيّ مقابل؛ لأنهما يفعلان هذا بدافع الحب الفطري الكبير الذي أودعه الله تعالى في قلبيهما، لكن من واجب الأبناء ردّ المعروف وعدم مقابلته بالجحود والنكران، كما قال الله تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
العقوق شيء بغيض للغاية، وأسوأ ما قد يرتكبه مخلوق في حق والديه مهما كان دينه وأياً كانت توجهاته، ولـ "السوشال ميديا" دورٌ أساس في إفساد الشباب وانتشار ظاهرة عقوق الوالدين وقهرهما، وعلى الأبناء أخذ الحيطة والحذر فيم يشاهدون وكيف يحكمون وأن لا يردوا على الإحسان بالإساءة لأغلى البشر.

كاتبة بحرينية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية