العدد 5365
الجمعة 23 يونيو 2023
banner
كريج... الشفق القطبي الشمالي البعيد
الجمعة 23 يونيو 2023

عندما قرأت للفنان المسرحي المثير للجدل “جوردون كريج” توصلت إلى قناعة تامة بأنه يشبه الصخور المنعزلة النائية في البحر، أو الشفق القطبي الشمالي البعيد، فقد كانت نظرياته في المسرح لتصاميم الملابس والديكور والاكسسوارات والملحقات، تجاوز السمات العامة للغة المسرحية المعروفة، ومع ذلك تجده يصفر منسجما مع اللحن الذي يريده للمسرح، فمن الأحلام التي راودت كريج كثيرا حلمه في تغيير وجه الفن المسرحي وخلقه خلقا جديدا، وقد بذل المسرحيون مجهودات كبيرة لكي يوفقوا بين الفن المسرحي وبين عبقرية “كريج” العنيدة بعيدة المدى، حاولوا أن يزودوا مسرح “كريج” بمسرح يتناسب مع مواهبه وقدراته من ناحية، ومع مكانه ومكانته من ناحية أخرى، لكنه رغم إنتاجه الوفير إلا أن هذا الإنتاج لا يتماشى بحال من الأحوال مع مطالب المسرح الأساسية، ولا يخضع لمتطلباته المالية، ما دفع بالفنان أخيرا إلى الهروب إلى جهة ما تاركا الفن لغيره من الفنانين.
ومن الخطأ أن نفترض في “كريج” الرغبة في تحطيم الممثل والتقليل من أهمية دوره على خشبة المسرح، لكن ما يؤخذ عليه هو إعلاؤه من شأن المخرج بدرجة قللت من شأن الممثل، فقد رفع “كريج” المخرج كثيرا وأعطاه أهمية كبرى، باعتقاده أن وظيفته هي تفسير عمل المؤلف من وجهة نظره الخاصة، حتى ولو جاء الإخراج شيئا أقرب إلى الخلق الجديد للعمل الفني، وقد غلب على إنتاج “كريج” طابع الغموض، وشابه شيء من الخرافة والأساطير، كما ابتعد بعقله عن الواقع فتركز تفكيره في عالم غريب هو عالم الشياطين، ولو ترك الأمر له لملأ المسرح بالمناظر الغريبة التي لم يعتد عليها المتفرج مثل الصخور الهائلة والسحب ومناظر الخلجان المرعبة.
قد لا أبالغ إذا قلت إن المسرح العالمي لم يجد طفلا مشاكسا مثل “كريج” وشراسته وتمرده.
كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .