العدد 5338
السبت 27 مايو 2023
banner
ماذا بعد إعادة سوريا؟
السبت 27 مايو 2023

في أوائل الشهر الجاري قررت جامعة الدول العربية إعادة سوريا لشغل مقعدها المجمد في الجامعة منذ أكثر من عشر سنوات، واستحوذت مشاركة رئيسها بشار الأسد في القمة العربية الأخيرة بجدة اهتماماً كبيراً من قِبل وسائل الإعلام العربية والعالمية، ولم تخف الدوائر الغربية الرسمية، وعلى الأخص الأميركية منها، سخطها من قرار الجامعة استئناف سوريا عضويتها فيها، بل وصلت الوقاحة برئيس لجنة شؤون الشرق الأوسط في الكونجرس، جو ويلسون، إلى حد أن وصف القرار بـ "المقرف"!
ويمكننا القول إن هذا القرار من حيث أهميته وتاريخيته، يشبه قرار إعادة عضوية مصر في الجامعة العربية، ففي عام 1979 انعقدت القمة العربية في بغداد، واتخذت قراراتها الشهيرة بمقاطعة مصر في شتى المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، لتوقيعها اتفاقيتي كامب دافيد مع إسرائيل، كما تقرر فصلها من الجامعة العربية التي تقرر نقل مقرها إلى تونس، لكن ليس سراً أن ثمة دولاً عربية قبلت تلك القرارات تحت ضغوط الجناح المتشدد داخل القمة، بدليل أن الجناح المعتدل هو الذي اقترح إرسال وفد من القمة إلى القاهرة فوراً، مع بقاء القمة منعقدة، لمحاولة إقناع الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالانسحاب من تلكما الاتفاقيتين، لكن الوفد عاد إلى القمة بخفي حنين، فكان أن أصدرت تلك القرارات، واستمرت المقاطعة العربية لمصر نحو عشر سنوات.
وكان أن تقرر في خريف 2011 تجميد عضوية سوريا في الجامعة، والذي استمر أزيد من عشر سنوات أيضاً - كما أسلفنا - لأسباب شتى معروفة، وهنا أيضاً أثبتت التجربة عدم واقعية القرار، إذ لم يكن عدد من الدول العربية متقيدا به، واستمر في علاقاته الحميمة مع دمشق، كما أن دولاً كانت متحمسة لاتخاذه، ثم فتر حماسها بعدئذ تحت وقع متغيرات واعتبارات خاصة بها، فأخذت تتبع سياسة التقارب خطوة خطوة مع دمشق، حتى تتوجت المواقف مؤخراً بقرار إعادة سوريا للجامعة العربية، ما أسعد العرب جميعاً. 
ومع ذلك فإن هذه النهاية السعيدة بإعادة سوريا للجامعة إنما تستلزم وضع آلية جادة بأسرع وقت لتفادي تكرار نشوء النزاعات بين الدول العربية، ووجوب حلها - إذا ما نشأت - في أقرب الآجال الممكنة.
من المؤسف القول إنه منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، ظلت الخلافات العربية – العربية هي القاعدة في أغلب الأحيان، سواء على المستوى الثنائي أو على مستوى المحاور المتجابهة، ولعل انتظام انعقاد القمة العربية بصفة دورية من عدمه يُعد مؤشراً على حال تلك العلاقات من حيث التحسن النسبي أو اشتداد الخلافات، ولعل من أبرز الدراسات التي تناولت هذه الظاهرة بتحليل منهجي موضوعي رصين الدراسة الرصينة التي صدرت 1988 عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت للباحث المصري الدكتور أحمد يوسف، وقد شغلت دراسته حيزاً كبيراً من جداول قياس شدة الصراعات بين الدول العربية خلال الفترة (1945 - 1981)، وإذ يصف المصالحات العربية - العربية بأنها عادة ما تكون تسويات مهدئة مؤقتة، بمعنى إذا جاز لنا التعبير بأنها أشبه باستراحة المحارب للاستعداد لجولة جديدة من الصراع على نحو أشد، فإنك إذا ما راجعت نماذج من تلك الجولات الصراعية في الستينيات، على سبيل المثال لا الحصر، لهالتك حدة الصراع المعبر عنه بفظاظة الألفاظ والشتائم والقذف المتبادل في الدعاية الإعلامية، وفجأة بدون تدرج يطرأ تحول دراماتيكي بزاوية 180 درجة في الغزل المفرط والتعبير عن المحبة الشديدة بين أطراف الصراع، سواء على المستوى الثنائي أو على مستوى المحاور. 
والخلاصة أنه بات من الأهمية بمكان تدارس سُبل حل النزاعات العربية العربية حلاً دائماً، بحيث يتم التعهد بمنع تكرارها، ذلك أن المستفيد الأول من ظاهرة تكرارها هم أعداء العرب في المنطقة، وكما قلنا مراراً فإن واحداً من أهم أسباب النزاعات الإقليمية والدولية والتي قد تتطور إلى حروب خطرة، يتمثل في تجاهل مبدأ التعايش السلمي بين الدول، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والالتزام بمبدأ حسن الجوار، وبالتالي فمن باب أولى أن تتقيد الدول العربية بهذه المبادئ، بالنظر إلى أن ما يجمعها من مبادئ وقضايا مصيرية مشتركة لهو أسمى وأكبر بكثير مما يجمعها مع دول العالم الأخرى، ولنتذكر، وكما قلنا هنا غير مرة، أن المتضرر الأكبر من توتر العلاقات بين الدول العربية هو شعوبها العربية، حيث تنعكس آثاره ليس فقط على تواصل الشعوب العربية بين بعضها بعضاً في مختلف المجالات، بل وعلى العائلات الواحدة التي يتعذر لم شملها وتزاورها في ظل اشتداد تلك الصراعات المؤسفة. 

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية