كان المستشار إسماعيل الحكيم والد الأديب توفيق الحكيم تربطه علاقة صداقة بأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد (١٨٧٢ - ١٩٦٣) الذي أصبح وزيراً للمعارف فيما بعد، ورغم أنه كان يعيب على أستاذ الجيل تركه العمل بالقضاء من أجل الأدب، فإنه أخذ ابنه توفيق وذهب إليه ليجد حلا لهذا الابن الذي يريد الاشتغال بالأدب أيضا، ولا يريد أن يعمل بالمحاماة بعد تخرجه من كلية الحقوق.
كان الأدب في تلك الفترة من المهن المزرية، حتى أن الدكتور محمد حسين هيكل عندما أصدر روايته الشهيرة "زينب" لم يضع عليها اسمه، فلم يكن يليق بشخصية سياسية مرموقة مثله أن يضع اسمه على رواية! اصطحب المستشار إسماعيل الحكيم ابنه توفيق من الإسكندرية إلى صديقه أستاذ الجيل الذي يرأس دار الكتب في القاهرة، وقال له: ابني هذا حصل على ليسانس الحقوق لكنه يريد الاشتغال بالأدب لأنه لا يحب المحاماة، كان الأب يعرض الأمر بطريقة استنكارية تقول لأستاذ الجيل.. ما الحل؟ وجاء اقتراح لطفي السيد أن يتم إرسال توفيق الحكيم إلى أوروبا ليحصل على الدكتوراه ثم يعود ليعين في الجامعة أو القضاء المختلط. التقط الأب الفكرة والتفت إلى ابنه توفيق وقال: أظن أن هذا هو الحل.
وقد وصف توفيق الحكيم لقاء والده بلطفي السيد قائلا: قادنا أبي إلى صديقه لطفي السيد وكان يومئذ في دار الكتب.. دخلنا عليه رحب بنا.. وأجلسنا إلى جواره في نفس المكتب الذي ظل على حاله بعد ذلك بسنوات وسنوات لم يتغير. يريد الحكيم أن يقول إنه لم يغير أي شيء من المكتب عندما أصبح رئيسا لدار الكتب. وبعد أن نهضنا منصرفين شاكرين.. شيعنا لطفي السيد إلى الباب بعد أن أهدانا كتابا قام بترجمته عن أرسطو.
وبدأت استعدادات السفر مثل معرفة كيفية تحويل المبلغ الشهري اللازم للدراسة في فرنسا وكذلك حجز باخرة السفر، وعندما حان الوقت قام توفيق الحكيم بتجهيز حقيبة سفره للحصول على الدكتوراه، وكانت بها بدلتان وأربعة قمصان وأربع فانيلات وستة مناديل. وسافر الحكيم إلى فرنسا وظل سنوات وسنوات ينهل من الثقافة العالمية والمسرح والفنون والآداب، أو كما قال إنه أصيب بنهم القراءة: النهم الفكري الذي استولى علي امام موائد الحضارة الكبرى.
بعد سنوات عاد الحكيم بنفس الحقيبة والبدلتين والأربعة قمصان والأربع فانيلات، لم ينقص منها شيء، كما عاد بصناديق خشبية مملوءة بالكتب.
لكن الشيء الذي لم يعد به هو رسالة الدكتوراه التي سافر من أجل الحصول عليها. واستقبله أهله بالحزن ورأى الهم والغم في عيونهم.. وسمعهم يتهامسون: يا خيبتنا! يا خيبتنا! وكانت خيبة الحكيم توجعه أكثر مع "الزغاريد" التي طلعت من بيت الجيران فرحا بحصول أحدهم على الدكتوراه.
هذا الحاصل على الدكتوراه لم يهتم أحد باسمه بينما أصبح الحكيم من أكبر الأدباء في مصر والعالم العربى.
كاتب مصري