العدد 5333
الإثنين 22 مايو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
ثرثرة وقت الاغتسال من الفوضى
الإثنين 22 مايو 2023

تركت صاحب المذياع هذا الصباح يعد المارشات والأناشيد العسكرية: “لعن الله الحروب لا تبقي ولا تذر”. نفض المذيع الغبار عن الشريط القديم: “بوابة الجحيم انفتحت.. ودلفت منها الأبالسة، ضاقت بها الآفاق.. لم نعد نفرق بين الغروب والشروق”.


انخرط في موجة من الضحك:
لا وقت للزهو أو حتى للحزن. أغلقوا المذياع لا تدعوه يكذب علينا.. سئمنا من المارشات. الدنيا تمشي بالمقلوب وأنا أقرأ شيئا على الحائط مكتوبا: “إنه شروق الأبالسة.. لا وقت للاغتسال من الفوضى.. القرن المنقضي كان مقبرة للبشرية، ففيه سقط أكبر عدد من الجثث.. لا فلسفة ولا مذياع.. الكل يمجد المارشات فيما يموت الناس بلا حساب. وهذا القرن الجديد أعلن مبكرا حروبه الجديدة، وبنى مجده في العراق وأفغانستان ورواندا ودارفور وليبيا وسوريا، وأوكرانيا وإلى حد ما في جورجيا الجديدة المتعلقة بأهداب الغرب.


هل كان ستالين أفضل من هتلر.. أولم يكن أكثر وحشية منه؟ عبدالناصر كان رومانسياً على طريقة أدباء المهجر.. عادى الكبار وأحب نهرو وتيتو، ونكروما.. خياله كان حسياً.


عندما قضى ستالين نحبه لم يكن أحد يدري أن الشيوعية ماتت من الداخل قبل موته بعشرين عاما.. وعندما سقط خروتشوف كان جيلاً من زعماء الكاوتشوك قد بدأ يتقاطر على الكراسي الأمامية في المسرح.. وبدأت القيلولة الآيديولوجية تطول! ولحظة سقوط بريجنيف في الغيبوبة الخامسة كان يغتسل بالمخمل الأحمر، شيء ما يشبه البحار الدافئة.. وهكذا بدأ الرجال يدعون من القبور ويوضعون على المقاعد الخشبية العالية، فيما كان الناس في الغرب ينتخبون رجالا ونساء يتوعدون العالم بأنهم سيضعون أيديهم على هواء المياه العالية في أقصى الشمال وأقصى الجنوب.


توقفت مارشات المذياع، وأعلن المذيع عن الحرب الجديدة وعن مواعيد صفارات الإنذار، والطفل لا يزال يعبر طريقا طويلا ملتويا، يمسح دمعة شتوية عند الدوارات وعند خطوط المشاة، يدفع جسمه دفعا نحو مدرسة بلا أسوار.. وقدم العصفور مثخنا بالجروح يتسلل من بين ثناياها الماء والوحل.


عند الفجر أعلن المذياع: ‘’صباح الخير أيتها الحرب.. الدنيا جميلة والطقس لطيف، وإليكم خلال أسعار البنفسج فسحة جديدة، غيوم تسير عكس التيار، والاغتسال من الفوضى بمطر شتوي، وأنت معلق على رذاذ المذياع”.


كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية