انتهى زمن أن يكون التصفيق لشخص ما معيار النجاح، الإشادة عبر المقالات الصحافية واللقاءات التلفزيونية، تغيرت الحسبة ولم يعد النجاح هو هذا المخلوق الراقي الذي يهابه الجميع ويتعاملون معه بإجلال وتقديس، دخلت إلى الملاعب طريقة حساب أخرى جديدة للنجاح.

الضوضاء، أن تثير ضوضاء ما، فتصبح حديث المجتمعات كلها، وتتحول إلى تلك المادة الكيمائية الغريبة التي تشعل مواقع التواصل الاجتماعي، يتناقل الجميع ما قدمه شخص ما ويخبرون به بعضهم البعض بلهفة وتحريض على المتابعة إذا فاتك الأمر، تتورط حضرتك في هذه الضوضاء وتدعمها بنية سليمة، غالبا تسجل اعتراضك أو سخريتك وامتعاضك وتأففك، لكن الطريق إلى نجاح هذه الضوضاء مفروش بنوايا حضرتك الشريفة العفيفة، لأنك تساعد في منح المنتج او الشخص مساحة أكبر.

جمهور يندفع مثلك تماما بنوايا سليمة، فتكبر الضوضاء، مبروك لقد تحقق النجاح، هناك في نقطة بعيدة من يسعون لأكل العيش بنوايا سليمة في البداية، فتبدأ البرامج التلفزيونية في تغطية هذه الضوضاء، يتحول بطلها لنجم، ثم تبدأ النوايا الرديئة (تشوف شغلها)، يقف بعيدا ذئب يفتش عن فريسة سهلة، ولا أسهل من جمهور طيب سليم النية، فيبدأ بترجمة الضوضاء إلى “بيزنس”، فلنستغل الضجة في إعلانات تلفزيونية راقصة خفيفة بطلها شخص أصبح الناس يعرفونه جيدا لكنه مازال قليل التكلفة، فيمكن ضرب عصفورين بحجر وركوب الضوضاء بميزانية تحت السيطرة، هناك وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت تثمن الضوضاء وتمنحها سعرا عاليا، فكلما زادت المشاهدات زاد المقابل ولعلعت الدولارات في الحسابات البنكية، ويمكنك الآن أن تنشئ محطة تلفزيونية على فيسبوك أو يوتيوب أو تيك توك وتستثمر في الضوضاء التي منحها الجمهور الطيب شرعية الكسب، ثم يمكنك أن تفتح قوسين وتجدد مصادر رزق الضوضاء، “ريفيوهات” مطاعم، حفلات افتتاح، أفلام سينمائية، ضيوف في البرامج التلفزيونية من جديد ولكن بمقابل هذه المرة.

أنت الآن أمام شخص ناجح، كسب الشهرة والأموال لأنه قدم ما تراه منفرا ومسيئا وتافها ولا يخلو من قلة أدب، فقمت بالاشتباك معه، فانتشر النجاح انتشارا، “ضوضاء، ضجة، مواقع تواصل مشتعلة”. لا تلوموا أحدا على نجاح هذه النماذج، يمكنك أن تلوم نفسك وأنت مرتاح الضمير، لأن نقدك لهم لم يعد طريقا لغلق الباب في وجوههم، نقدك لهم تفاعل يفتح لهم الباب.

* كاتب مصري