العدد 5323
الجمعة 12 مايو 2023
banner
التجارة والمزاحمة غير المشروعة
الجمعة 12 مايو 2023

التجارة فيها كل أبواب الرزق، وهي مهنة قديمة بدأت مع أول التجمعات البشرية على نطاق محدود ثم بدأت في التوسّع مع توسّع مجالات الحياة وزيادة البشر واحتياجاتهم، واستمرت في النمو حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من تطور فائق قاد إلى تلاحم الشعوب بفضل المعاملات التجارية في شتى أنواعها ومجالاتها المتعددة. القوانين المحلية والعالمية والمواثيق الدولية، تنظّم التجارة وتقنّن العمليات التجارية حتى تستمر ويتم حفظ جميع الحقوق المرتبطة بالتجارة لكل الأطراف. وغالبية قوانين التجارة تعرف العمليات التجارية حتى يعرفها الجميع ويتم منحها الحماية القانونية لمنح الثقة للمتعاملين، وهناك عقوبات لمن يمارس التجارة بما يخالف القانون ويضر المتعاملين الآخرين. وقوانين التجارة، والممارسات التجارية المتعارف عليها، تنص على ضرورة التزام التاجر بالأمانة والابتعاد عن الغش والاحتيال والممارسات غير السليمة وغير الأخلاقية حتى تظل هذه المهنة نظيفة وتمارس وفق القانون ومنسجمة مع الممارسات السليمة.


وتقنينًا للممارسات التجارية السليمة والحفاظ عليها، فإن قوانين التجارة تحظر وتمنع بعض الممارسات، ومن ضمن المحظورات يأتي في القائمة “المزاحمة غير المشروعة”، وما يهم ذكره هنا أن بعض التجار يعتقدون أن كافة أنواع “المزاحمة” في التجارة يجوز ممارستها بل قد يعتبرها البعض نوعًا من “الشطارة” أو الحذق التجاري، ولكن الحذر لأن بعضها يخرق القانون. فما هي المزاحمة غير المشروعة حتى يتم الابتعاد عن ممارستها؟


ولا بد أن نقول إن “المزاحمة غير المشروعة” تختلف عن “المنافسة غير الشريفة” وهناك من يخلط بينهما وهذا غير صحيح.

وفي إيجاز، نقول إن كل مزاحمة غير مشروعة في التجارة تعتبر منافسة غير شريفة، وبالعكس كل منافسة غير شريفة لا تعتبر مزاحمة غير مشروعة لأن “المنافسة غير الشريفة” أوسع نطاقًا ومعنى على حسب القانون والمواثيق التجارية الدولية والمجال لا يسع هنا، ويكفي أن نبيّن أن كلا منهما مختلفة عن الأخرى. وبالرجوع لقانون التجارة فإنه يفرد بابًا خاصًّا لتوضيح “المزاحمة غير المشروعة” ويشير إلى أن بعض الممارسات إذا قام بها التاجر فإنها تقع في دائرة “المزاحمة غير المشروعة” في التجارة.

مثل إساءة استخدام العنوان التجاري والعلامات والبيانات التجارية بواسطة التاجر، سواء أكان صاحبه أم غيره، يقع تحت طائلة “المزاحمة غير المشروعة”، ويجوز مطالبة من قام بسوء الاستخدام بالتعويض المادي إضافة للعقوبات.


ولجوء التاجر لممارسة طرق التدليس والغش أو نشر البيانات الكاذبة عن بضاعته بطريقة تضر بالتجار الآخرين أو مزاحمتهم، ويكون في هذه الحالات يدفع التعويضات بسبب الأضرار الناجمة عن ممارسته لهذه الأعمال التي تعتبر من “المزاحمة غير المشروعة”.

ومنعًا للمزاحمة غير المشروعة، فإنه لا يجوز للتاجر أن يذيع أمورًا مغايرة للحقيقة تتعلق بمنشأ بضاعته أو أوصافها أو تتعلق بأهمية تجارته، ولا أن يعلن خلافًا للواقع إنه حائز لمرتبة أو شهادة أو مكافأة، ولا أن يلجأ إلى أية طريقة أخرى تنطوي على التضليل، قاصدًا بذلك أن ينتزع عملاء تاجر آخر يزاحمه، وإلا كان مسؤولا عن التعويض لجبر الضرر.


 وكذلك منعًا للمزاحمة غير المشروعة، لا يجوز للتاجر أن يغري عمال تاجر آخر أو مستخدميه ليعاونوه على انتزاع عملاء هذا التاجر، أو ليخرجوا من خدمة هذا التاجر ويدخلوا في خدمته ويطلعوه على أسرار مزاحمة. وتعتبر هذه الأعمال، عند ارتكابها بواسطة التاجر، مزاحمة غير مشروعة تستوجب التعويض.


وإذا أعطى التاجر لمستخدم أو عامل سابق شهادة مغايرة للحقيقة بحسن السلوك وضللت هذه الشهادة تاجرًا آخر حسن النية فأوقعت به ضررًا، جاز بحسب الأحوال وتبعًا للظروف أن يرجع التاجر الآخر على التاجر الأول بالمطالبة بالتعويض المناسب. وذلك لأن ما قام به هذا التاجر يعتبر مخالفًا للقانون لأنه يقع ضمن المزاحمة غير المشروعة التي يمنعها القانون.


من الواضح أن المشرع قصد أن من يأتي لممارسة التجارة، عليه أن يأتي بيد نظيفة وقلب نظيف وعليه ممارسة أعماله بتجرّد وأمانة وفي حدود تجارته وما يخصه هو فقط.

وفي هذا عليه عدم النظر للتجار الآخرين أو لطرق ممارستهم لتجارتهم بقصد مزاحمتهم غير المشروعة، وليبتعد عن حدودهم لأنها تعتبر “حرم تجارتهم” ويجب عليه ألا يتطفل أو يتدخل.

وكذلك في نفس الوقت، فإن حرمه هو أيضًا محرم للآخرين وفي هذا الجميع سواسية وليتفرغ كل واحد لمهمته بعيدًا عن حرم الآخر حتى لا يقع تحت طائلة “المزاحمة غير المشروعة” التي تعرضه لتحمل الأضرار وبالتالي دفع التعويضات لجبر هذه الأضرار.. وأعتقد إن في هذا قمة الحماية للخصوصية وللحقوق المادية والمعنوية المرتبطة بالتاجر وتجارته.

*مستشار وخبير قانوني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية