العدد 5316
الجمعة 05 مايو 2023
banner
الوساطة ودورها في تسوية المنازعات التجارية
الجمعة 05 مايو 2023

من ضمن وسائل تسوية المنازعات التجارية وغيرها في البحرين، نجد الوساطة، كأحد البدائل المتوافرة، وقد ثبت نجاحها في عدة حالات وفشل بعضها، ودخل الأطراف ردهات المحاكم وإجراءات التقاضي المضنية.
والوساطة، وفق أحكام القانون، من الوسائل الهامة لتسوية المنازعات وتأخذ مجراها بين أطراف النزاع عبر “الوسيط” سعيا للتوصل لاتفاق مناسب تقبله الأطراف. والوساطة، كالصلح والتحكيم، من البدائل القانونية المتوافرة، إذ يتم الاعتماد عليها لإنهاء المنازعات، واللجوء للوساطة ظل مستمرا منذ مدة طويلة، ولكن الآن تغير الوضع، إذ أصبحت الوساطة مهنة وعلم وثقافة وممارسة قانونية لها ضوابط وأعراف وأخلاق مهنية.
والوساطة “ميديشين”، تمثل وسيلة اختيارية وغير إجبارية تلجأ لها الأطراف وفق إرادتهم وطوعهم واختيارهم ودون إكراه أو إجبار؛ بغية التوصل لحل مناسب للنزاع. ويلعب الوسيط “مدييتر”، خلال وساطته دوراً جوهرياً يتمثل في توفير الجو المناسب للمناقشات. ومن أبرز ما يقوم به الوسيط العمل على تقريب الشقة والتأثير في نفوس أطراف النزاع وتشجيعهم على البوح عما يختلج في دواخلهم من مشاعر وأفكار مشحونة ثم تبادل وجهات النظر ومن ثم طرح الحلول الفعالة بكل سهولة دون تعقيدات. وللوصول لهذه المرحلة من تبادل الأفكار وتمازجها، لا بد أن يتمتع الوسيط بالسمعة الطيبة إضافة للمهنية المطلقة مع الحرص على الأمانة والاستقلالية التامة وعدم التحيز لطرف. وبالطبع فإن توافر الخبرة والمهنية والأمانة والثقافة لدى الوسيط سيكون له دور كبير في إدارته وتتبعه لمجريات النقاش وطرح الأفكار بين الأطراف مع السيطرة الإدارية حتى لا تخرج الأمور من إطارها. إضافة لهذا الدور، فإنه من الضروري أن يتم الاتفاق على الإجراءات التي ستسير عليها عملية الوساطة وأن تكون هذه الإجراءات متفقة تماماً بموضوع النزاع “نقاط النزاع”، ثم يتم تحديد الطرق المناسبة المطلوب اتباعها لإنهاء الخلاف، وفي جميع الأحوال يجب حصر البيانات والمعلومات الخاصة بالموضوع والالتزام بالسرية التامة وعدم نشر الموضوع لجهات أخرى، حتى يسير الموضوع في هدوء ودون تطفل. 
يقوم الوسيط بلعب مجموعة من الأدوار المهمة ويمكن إيجازها في فتح أبواب النقاش والعمل بمثابرة حتى يتم التوصل لرأي صائب متفق عليه. وفي هذه الأثناء، العمل بمثابرة جادة للتوصل لمجموعة من البدائل ومحاولة اختيار أنسبها لحل النزاع. ويجوز للوسيط، حسب الخطة المتفق عليها، عقد لقاءات منفصلة مع كل طرف. وهذه اللقاءات فنيا تسمى “كوكس”، حيث يقوم الوسيط بمتابعات مكوكية ونقل ما يدور مع كل طرف للطرف الآخر. وهذه المرحلة مهمة جدا ويستطيع الوسيط الموثوق به فعل الكثير في توضيح الخطوط العريضة التي يبنى عليها الاتفاق حتى تتم التسوية النهائية المرضية للأطراف جميعا. ومن الناحية الفنية، في خلال هذه المرحلة، يجوز للوسيط الاستعانة بالخبراء والفنيين لتحليل المعلومات والوثائق وتقديم الآراء المهنية الفنية كلما كانت هناك ضرورة، وعند التوصل للاتفاق المناسب، يتم صياغة الوثيقة النهائية.
للوساطة إيجابيات ومزايا عدة، منها منح الأطراف الفرصة للنقاش في ما بينهم وكذلك مع الاختصاصيين حتى الوصول للتسوية المرضية. وفي العديد من الحالات ينتج عن الوساطة أفضل الحلول لمصلحة الأطراف. وهناك نقطة مهمة، من الناحية النفسية والسيكولوجية، أن الوساطة تحاول الحفاظ علي العلاقات التي تجمع بين الأطراف، وهذا بالطبع غير موجود عند أخذ النزاع للمحاكم حيث تستمر الخصومة والبغضاء خلالها حتى بعد نهايتها لسنوات عدة وأيضا لعدة أجيال. وبالنسبة للتكاليف، نجد الوساطة أقل تكلفة مقارنة مع الوسائل الأخرى التي تأخذ وقتا طويلا وجهدا أكبر.
هناك من يأخذ على الوساطة أنها غير ملزمة، ولكن نقول إنها مرحلة تتمكن خلالها الأطراف من التشاور عبر طرف مهني مستقل، وبالطبع هذا سيجعلهم في وضع أكثر ملاءمة ومناسبة لحسم النزاع. وفي جميع الأحوال، هي محاولة اختيارية طوعية تأتي بكل الثمار أو جزء منها. وننصح، بأنها قد تكون الأفضل في الكثير من الحالات وفقا لتفاصيل كل حالة على حدة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية