العدد 5302
الجمعة 21 أبريل 2023
banner
الاحتيال في الاعتمادات المستندية
الجمعة 21 أبريل 2023

تصدر البنوك خطابات الاعتماد المستندية، وهذه الخدمة المصرفية تلعب دورا كبيرا في دعم التجارة وتعظيم الثقة بين زبائن البنوك ونظرائهم، حيث تكتمل العملية التجارية وفقا لمقتضيات خطابات الاعتماد. وكانت هذه الاعتمادات تتم وفق مرئيات كل بنك على حدة، وفي حالات عديدة تحدث خلافات لها آثار في تعطيل المعاملات المصرفية. واستمر الحال لفترة طويلة حتى تنبهت غرفة التجارة الدولية بباريس لهذه الخلافات وانعكاساتها السلبية على التجارة، ورأت الغرفة ضرورة البحث عن مخارج لتجاوز الخلافات لتمكين البنوك من القيام بدورها وتوفير الأرضية المناسبة لاستمرار الأعمال. ومن هنا طرأت الفكرة بإصدار القواعد “الموحدة” لتنظيم الاعتمادات المستندية.
تتميز هذه القواعد “الموحدة” (يونيفايد) بأنها وفرت نظاما مصرفيا موحدا تسير عليه البنوك في العالم وهذا إنجاز كبير وفر لغة واحدة بين الجميع يتم تطبيقها وفق وتيرة مصرفية قانونية واحدة. وهذا الوضع الموحد أدى لانحسار الخلافات التي كانت، مما قاد إلى توسيع خدمة الاعتمادات المستندية. وتوجد الآن دوائر بالبنوك للعناية اليومية بهذه الخدمة التي أصبحت من أهم الأعمال المصرفية.
ما يميز “القواعد الموحدة” لخدمة الاعتمادات المستندية أن البنوك تنفذ واجباتها بتغطية المبلغ والسداد بعد الاطلاع، أو فور الاطلاع، على المستندات فقط. والقاعدة الجوهرية هنا أن يتم التعامل “بالمستندات فقط”، وعندما يقدم الزبون مستندات شحن البضاعة وما يرتبط بها من مستندات أخرى، يجب على البنك السداد الفوري؛ لأن التزامه متعلق فقط بالمستندات المذكورة في خطاب الاعتماد المستندي، ولا علاقة إطلاقا للبنك بالعقد التجاري بين المستورد والمصدر؛ لأن عقد الاعتمادات المستندية مستقل تماما عن العقد التجاري، وفق “مبدأ الأوتنومي” بالاستقلال بين العقدين. ووفق هذا المبدأ، يتضح حصر مسؤولية البنك فقط فيما يتعلق بالمستندات الواردة في خطاب الاعتماد المستندي، إذ عليه الوفاء بالسداد عند تقديم المستندات له واطلاعه عليها. وقد تكون البضاعة غير سليمة أو غير مطابقة لمواصفات العقد أو منتهية الصلاحية أو بها عيوب، ولكن في جميع الأحوال ليس للبنك أي علاقة بهذا الشأن وليس مطلوبا منه التحري أو بأي تفاصيل متعلقة بالعقد؛ لأنه ليس جزءا من العقد.
بالرغم من أن انتهاج غرفة التجارة الدولية للقواعد الموحدة أدى لتطوير التجارة وساعد البنوك في تقديم الخدمات المصرفية للعمليات التجارية الدولية، إلا أن قاعدة “الأوتنومي” الجوهرية قد تفتح الباب واسعا للمحتالين وللعمليات الاحتيالية. ولقد ثبت واتضح في حالات عديدة عدم صلاحية البضاعة أو عدم تطابقها في المقاس أو الشكل مثل شحن ملابس قديمة بدلا عن معدات طبية أو شحن حجارة بدلا عن حديد. وهذا أمر مؤلم، لكنه حدث ويحدث في عالم التجارة المحفوف بالمخاطر وربما عدم الأمانة. وهذا هو الوضع وفق قواعد (يو سي بي 600)، وهي صادرة من غرفة التجارة الدولية، ولابد من معالجة هذه الثغرة لقفل باب الاحتيال. 
ونلاحظ أن المحاكم أصدرت قرارات قضائية مهمة مضمونها عدم التقيد التام بقاعدة “التعامل بالمستندات فقط” إذا علم البنك بأمر وواقعة الاحتيال بحيث يمكنه عدم السداد بالرغم من تقديم المستندات له؛ نظرا للاحتيال الذي علم به البنك. ونعتبر هذه السوابق القضائية تطورا قانونيا كبيرا لمعالجة الاحتيال عبر الاعتمادات المستندية، لكنه لا يخلو من الصعوبات؛ لأن هناك مواقف متباينة في المحاكم وهذا التمايز سيستمر لبعض الوقت حتى يستقر رأي المحاكم تماما. 
تلعب المحاكم دورا كبيرا وأصدرت المحاكم الإنجليزية والأميركية بعض الأحكام وتم توجيه البنوك بعدم السداد إذا تبين لهم وجود احتيال أو أن الأمر برمته غير نظيف وغير سليم. وقطعا، البنوك من جانبها لا ترغب في المشاركة في عمليات الاحتيال أو أي عمليات إجرامية، ولكن الحل الأمثل في نظرنا هو قيام غرفة التجارة الدولية بدراسة أمر الاحتيال وتضمين القواعد الموحدة (يو سي بي 600) أو غيرها أحكاما جديدة خاصة بعمليات الاحتيال وكيفية تعامل البنوك معها.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية