العدد 5295
الجمعة 14 أبريل 2023
banner
حياد هيئة التحكيم المطلق
الجمعة 14 أبريل 2023

اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات يعود لأطراف النزاع، لأن التحكيم يمثل إرادة الأطراف حيث يختارون طريق التحكيم لتسوية النزاع. وهذه الرغبة باللجوء للتحكيم كبديل لتسوية المنازعات يحميها القانون الذي يمنح التحكيم القوة القانونية لنفاذ قرار التحكيم النهائي. ولكن، هناك شروطا معينة يجب توافرها ليصبح التحكيم نافذا بالقانون. إن كيفية اختيار هيئة التحكيم وأعمالها الإجرائية ومدة عملها وكيفية عزلها، كل هذه النقاط وفق رغبة الأطراف ووفق أحكام القوانين التي تصدر في أحكام إلزامية، وعلى الهيئة الالتزام التام بهذه الأحكام. وعليه، فإن كل هذه الأحكام يجب مراعاتها بدقة، حتى يتمكن “التحكيم” من القيام بدوره في تحقيق العدالة لأطراف النزاع وترسيخ مبادئ العدل.
من الأحكام الإلزامية الخاصة بالتحكيم ليكون نافذا، ضرورة حياد “نيوترلاتي” هيئة التحكيم وعدم وجود أي علاقة بين أعضاء هيئة التحكيم وأطراف النزاع أو موضوع النزاع. ووفق هذه القاعدة الأصولية فإن حياد هيئة التحكيم أمر إلزامي يجب توافره وبصورة مطلقة ونهائية. إن حياد أعضاء هيئة التحكيم، أمر مهم لأنه يضمن عدم تأثر أعضاء هيئة التحكيم بهذه “العلاقة” التي قد تؤثر على القرار النهائي. والبشر يتأثرون، سلبا أو إيجابا، بهذه العلاقات ولذا يجب ألا تكون موجودة حتى يتوفر الحياد المطلق والتام. ومن المفروض أن يكون عضو هيئة التحكيم “خالي الوفاض تماما” من النزاع وأطرافه، وعبر هذا الواقع يأتي حكمه من واقع ما تم عرضه أمام التحكيم وليس من واقع ما يعرفه أو يتعاطف معه مسبقا.
إن عدم توافر “حياد” هيئة التحكيم يؤدي إلى “نسف” كل ما قامت به هيئة التحكيم لأن عدم الحياد، يقود الطرف المتضرر للتقدم بالطعن لنقض حكم التحكيم. وإذا ثبت عدم توافر الحياد، فإن المحكمة ستقضي ببطلان حكم التحكيم، وفي هذا “نسف” للتحكيم الذي تم وإهدار للوقت والمال وعدم احترام العدالة بل إعاقتها وامتهانها. وعلى الجميع أن يدرك، أن الطرف المتضرر سيبحث عن “القشة” لقصم ظهر البعير، وهذا تصرف طبيعي ممن فقد شيئا ماديا أو معنويا.
كمبدأ عام، فإن الإعلان عن الحياد يعتبر من المسؤوليات المباشرة لكل عضو. وهذا الإعلان يتم في مرحلة اختيار هيئة التحكيم، حيث يطلب ممن يتم اختياره للتحكيم الإعلان والإفصاح عن عدم وجود أي علاقة مع أطراف النزاع أو القضية موضوع النزاع. وفي هذه المرحلة الأولية، يجب تأكيد عدم وجود أي علاقة مهما كانت مما يؤكد الحياد. وهذه من الأمور التي تهتم بها مراكز التحكيم. وأيضا، على من تم اختياره الإفصاح إذا كانت هناك أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأطراف النزاع أو القضية. وهنا، على أطراف النزاع وبعد الإلمام بالتفاصيل الضرورية، تقرير السماح أو عدم السماح له بالسير في التحكيم وذلك وفق ما يرونه لتحقيق مصالحهم. والأمر هنا بالطبع يعود لكل حالة على حدة وعلى حسب الظروف المعلن عنها وحسب ظروف الأطراف والقضية ونوع العلاقة المفصح عنها. وهناك حالات كثيرة تمت الموافقة على السير في التحكيم على الرغم من وجود العلاقة المفصح عنها، وهذا جائز ويعود تقديره للأطراف.
هناك حالات ظهرت، حيث لا يستطيع العضو المختار القرار وهل هناك تأثير على اعتباره محايدا أم لا؟ وهنا نقصد حالة “عدم اليقين” أو الحالة الضبابية، والمهنية تحتم الإفصاح عن هذه الحالة ويطلب من هيئة التحكيم أو المركز أو الأطراف اتخاذ قرار السماح بالاستمرار أو عدمه. وفي جميع الأحوال، على العضو المختار لهيئة التحكيم، أن يكون أميناً وهذه الأمانة تتطلب منه الإفصاح التام وعدم التستر أو الخداع أو التمويه أو عدم اليقين، بل عليه توضيح أي نوع من العلاقة، وإلا سقط عن “الحياد” وعليه تحمل النتائج المترتبة على هذا التصرف غير السليم البعيد عن المهنية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية