العدد 5321
الأربعاء 10 مايو 2023
banner
الإعلام كرسالة نبيلة
الأربعاء 10 مايو 2023

في مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، جاءت كلمة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حول أهمية دور العاملين في ميادين الصحافة والإعلام، لتطرح تساؤلاجذريا مهما للغاية.. هل الإعلام مجرد مهنة اعتيادية، أم أنه رسالة ذات بعد أخلاقي ووجداني، تتجاوز بكثير مجرد العمل من أجل التربح وكسب حفنة دولارات؟

لعله من الأهمية بمكان أن نعود إلى قراءة جوهر الإعلام في حاضرات أيامنا، إذ ليس سرا القول إن من كان يعطي الخبز في زمن الامبراطورية الرومانية، كان يعطي الشريعة كذلك، أما اليوم فإن من يدير ويتحكم، بل ويوجه وسائل الإعلام حول العالم، هو عينه من يخلق حالة الفكر ويسوس الرأي العام، ومن هنا يتبدى للناظر الأهمية الكبرى لدور الإعلام وخصوصا في زمن الجماهير الغفيرة. على أن الأمر لم يعد قاصرا على وسائل الإعلام التقليدية التي درج العالم على معرفتها في العقود الماضية، إذ خلقت وسائط التواصل الاجتماعي، بأنواعها المتعددة، وأشكالها المتباينة، نوعا من ازدحام الساحة بمن أسماهم السيميائي الإيطالي الراحل، إمبرتو إيكو، فيالق الحمقى، أولئك الذين يتسببون في إزعاج الجميع من حولهم، خصوصا بعد أن أضحى كل من يمتلك هاتفا ذكيا، قادرا على إصدار صحيفة، أو إنشاء إذاعة، فضلا عن تأسيس قناة تلفزيونية في العالم الرقمي.

لم يعد إذا التحكم في مسارات الخبر أمرا ممكنا، كما كان الحال قبل ثلاثة عقود وما وراءها، وهذا بطبيعة الحال يخلق حالة من التحدي غير المسبوق في دائرة الكلمة وشرفهاوأمانتها، بل وأهميتها. قطعا الكلمة هي الوحدة العضوية في بناء منظومة الإعلام حول العالم، وعليه فإذا كانت الكلمة واضحة وصريحة، نظيفة وأمينة، فإننا أمام حالة من حالات المجتمعات الرائقة والمؤتمنة على حياة الأجيال القائمة. غير أن كارثة الكوارث في الزمن الحالي، باتت تتمثل فيما يعرف بالأخبار الكاذبة، والتي من اليسير أن تروج عبر الوسائط الحديثة، وقد باتت الكلمة تطير بلا أجنحة، ما يجعل الضرر الواقع جراءها جسيما وقاتلا في بعض الأحيان.

في أوقاتنا الراهنة، لم يعد العالم كما كنا نقول في الأزمنة الماضية، قرية صغيرة، بحسب توصيف عالم الاجتماع الكندي، مارشال ماكلوهان، في ستينات القرن الماضي.

لقد حولت أجهزة الاتصالات الذكية أو ما يعرف بـ"السمارت فون"، الكون، لصندوق صغير، كان الأقدمون يطلقون عليه، صندوق الدنيا، ذلك الجهاز المتواضع الذي ينقل أطفال الدروب الصغيرة في الضيع البعيدة، لعالم من الخيال. 

لن يتوقف المشهد الإعلامي عند هذا الحد، سيما مع دخول البشرية مرحلة، الميتافيرس، أي ما وراء العالم، حيث يمكن للبشر أن يلتقوا في فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد، سيعيش فيه الجميع، ضمن صورة افتراضية وكأنها واقعية، وهذا أمر بحاجة لأحاديث مطولة قادمة. 

ويظل التساؤل المهم: "ما هو أفضل ترياق ضد الزيف الإعلامي الذي يحاصرنا؟".

ليست الاستراتيجيات ولا الخطط رغم أهميتها، إنما أفضل ترياق هو الأشخاص الممسوحون لخدمة الحقيقة، المفرغون من الصراعات، المتحررون من الجشع، المستعدون للإصغاء. عالمنا المعاصر، بحاجة لمن يصغي أكثر من عوزه لمن يتكلم كثيرا، ومن غير رسالة حقيقية. 

إن مداواة مجروح، خير من الانخطاف بالروح، وفي هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها العالم برمته، هناك حاجة ماسة لمن يبشر ولا ينفر، ييسر ولا يعسر، لمن يرسم الابتسامة الصادقة على الوجوه، ويشهد للحقيقة كي تكون الجسر والقنطرة للمعرفة الواثقة المطمئنة.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .