العدد 5314
الأربعاء 03 مايو 2023
banner
عن تجديد الخطاب الديني
الأربعاء 03 مايو 2023

لا يزال التساؤل في عالمنا العربي قائما وقادما حول تجديد الخطاب الديني، وأنفع وأرفع السبل لمواجهته، تبدأ مسيرة التطرف من عند الخطاب الديني الذي يدخل من الآذان ليبلغ القلب، وقبل بضعة عقود لم تكن هناك وسيلة سوى المنابر التقليدية، سواء تمثلت في الهيئات والمؤسسات التعليمية، أو المساجد، والقليل جداً من المطبوعات، حيث كانت الرقابة قادرة على فرض سيطرتها المثلث المتقدم.
غير أن التحدي والتصدي للتطرف في زمن العولمة، بات قضية صعبة سيما مع انفجار وسائط التواصل الاجتماعي، تلك التي وصفناها غير مرة بأنها قادرة أن تضع صيفاً أو شتاء. تنزع التيارات الأصولية إلى تقديس الموروث دون مقدرة حقيقية على مساءلة الأيقونات، أو قدرة على الفرز والتمييز بين ما هو قديم يصلح لأن يكون عصرانيا، وجديدا تمتد جذوره إلى ما هو خارج الأطر الثقافية المحلية والإقليمية، ولا يخدم طرحاً إنسانياً أو تعايشاً إيجابيا بل يولد فتنا، ويقود إلى كوارث مجتمعية. يمكن القطع هنا بأن الأديان الركيزة الأولى لعناصر الهوية والثقافة المجتمعية، ومن هنا تتجلى أهمية أن يكون الخطاب الديني عاملاً فاعلاً في تماسك المجتمع واستقراره، وبناء عليه فإنه لا مناص من أن تطلع مؤسسات الضبط الاجتماعي التي تبدأ من عند الأسرة ومنظومة التعليم، وكذا منظومة الإعلام والثقافة بقضية إعادة ضبط هذا الخطاب.
في هذا الإطار الساعي لمحاربة الخطاب الأصولي يحق لنا أن نتساءل عن الدور الخطير للمعلم، والواعظ، والإعلامي، المؤدلج بالآيديولوجيا الأصولية على اختلاف هوياتها، وعن حتمية التحقق من هويته الفكرية والحركية، وعلاقته بالمجاميع البشرية، من تلاميذ، طلاب، مريدين، متابعين وراء الشاشات، فجميع هؤلاء يتلقون شفاهة ما يرسخ في عقولهم ولا يبارح أو يغادر أذهانهم إلى نهاية العمر، سيما وأن ليست لهم دالة من قريب أو بعيد عن القراءة الواعية الناقدة، والقادرة على تخليص الثمين من الغث. كارثة العقدين أو الثلاثة عقود الماضية لم تكن متصلة بكتاب أو موسوعة، حتى إن كان ينتمي إلى الفكر المتشدد والمتعصب، إنما وضحت من خلال قيادات تعليمية وإعلامية مخترقة بالأصوليات القاتلة، وبأصوات إعلامية درجت على تقديم السم في العسل كما يقال، ما خرج أجيالا لا تعرف غير الاتباع ولا تجيد فنون الإبداع، وجماعات شعبوية بالملايين تمضي وراء "دعاة" يجيدون فنون "التجييش والحشد، التي تجري عبر وسائل الإعلام المتلفزة، والتي يتعاملون معها بعواطفهم لا بعقولهم". 
ولعله من نافلة القول ان المطالبة بتجديد الخطاب الديني، دون تفكيك للخطاب الأصولي المتطرف أمر يترك فجوات وثغرات واسعة، تجعل مجابهة الطروحات والشروحات الإرهابية أمر لا فائدة منه، ولا طائل من ورائه.
ارتبط الخطاب الأصولي عضويا بظاهرة الإرهاب، وكلاهما خرجا من أحشاء ثقافة كراهية الآخر، وهذه بدورها لم تكن نبتاً شيطانياً ظهر حين غرة، بل ساهمت عوامل عدة في تخليقها، وفي أولها وآخرها إشكالية الخطاب غير الإنساني وغير الحضاري الذي يحتكر الحق والصواب، وينصب من نفسه حكماً وقاضياً على سلوك الآخرين، أولئك الذين يمتلكون أبواب الجنة وربما مفاتيحها أيضاً.
هذا الخطاب ومن أسف شديد كائن وقائم في الكثير من التراث الفكري الذي يحتاج إلى مراجعة ولا نغالي إن قلنا "غربلة"، ومراجعة جريئة وشاملة.
وإذا الحديد لا يفله إلا الحديد، فإن الخطاب الأصولي المتطرف، ربما لا ينفع معه إلا خطاب إنساني إيجابي خلاق، يعمل على نشر قيم التسامح والتعايش بين بني البشر، وبحيث تعطي الفرصة الجيدة لإحياء خطاب القيم الحقيقية الحاكمة للعلاقات بين بني البشر، عبر الأخوة الإنسانية الجامعة لهم، دون أدنى التفاتة أو اعتبار للفروقات الطبيعية فيما بينهم مثل اختلاف الدين أو العرق أو الثقافة أو اللغة.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية