العدد 5307
الأربعاء 26 أبريل 2023
banner
الحقبة الأميركية.. سؤال البدايات والنهايات
الأربعاء 26 أبريل 2023


بعد مرور عام وثلاثة أشهر تقريبا على الحرب الروسية الأوكرانية، والعجز الأميركي الواضح عن التدخل عسكريا، أو سياسيا لإنهاء الصراع الضاري الدائر هناك، عادت الذاكرة بالكثير من المؤرخين السياسيين إلى حرب السويس عام 1956 أو زمن العدوان الثلاثي على مصر، وكيف شكلت هذه الحرب نهاية الامبراطورية البريطانية، وغروب شمسها. 
التساؤل اليوم: "هل العالم على مشارف نهاية القرن الأميركي، والذي بدأ منطلقا بعد الانتصار الكبير الذي قادت فيه الولايات المتحدة الأميركية الحلفاء الغربيين في الحرب العالمية الثانية؟ المؤكد أن هناك عوامل كثيرة بخلاف الحرب الروسية الأوكرانية، تدفع في طريق التحقيق والتدقيق في مصير الامبراطورية الأميركية المنفلتة، منها صعود دول أخرى، يمكن مجتمعة أن ترقى إلى مستوى القطبية في مدى زمني قريب، كما الحال مع تجمعات بريكس، ثم ربما لاحقا بريكس بلس، وربما تشاركهما مجموعة شنغهاي، ما يعني تغيرا مثيرا في تراتبية النظام العالمي مرة أخرى بعد قرابة ثمانية عقود من الحرب الكونية الثانية.
أحد أفضل العقول الأميركية التي يمكننا أن نلجأ إليها في طريق البحث عن جواب لسؤال نهاية القرن الأميركي من عدمه، هو البروفيسور الأميركي الكبير وأستاذ العلوم السياسية الأشهر "جوزيف اس. ناي الابن"، والمعروف حول العالم برؤيته للعلاقة بين أميركا وبين القوة الناعمة في طريق السيطرة على العالم. يضعنا الكاتب الكبير أمام توجهين، واحد يقول إن نهايات القرن الأميركي تقترب بالفعل، وطريق آخر ينكر على الأول توجهاته، والمؤكد أن الجدل الدائر حول مفهوم "القرن الأميركي" يطرح تساؤلات منذ بداية الخمسينات، وامتدت حتى السبعينات حول تراجع القوة الأميركية، خصوصا عندما أصدر المؤرخ الأميركي الكبير "بول كيندي" كتابه الشهير "صعود وسقوط القوى العظمى". غير أن عمل "بول كيندي" تمثلت أهميته في الفصول التي خصصها لمناقشة القوى العظمى عندئذ، أي الولايات المتحدة الأميركية وغرب أوروبا واليابان والصين، وقد كان أخطر ما خلص إليه كيندي هو "علاقة التأثر المتبادل بين الاقتصاد والاستراتيجية خلال محاولة كل من الدول العظمى دعم قوتها وثروتها لكي تصبح أو تظل قوية وغنية معا".. وبتطبيق هذه العلاقة على الولايات المتحدة فإنه يستخلص أنها بفعل ما أسماه تمددها الامبريالي، وإنفاقها العسكري الذي أثر على اقتصادها سينطبق عليها ما انطبق على غيرها من الامبراطوريات التي مرت بهذه الدورة. 
لم يكن كتاب بول كيندي شأنا يسيرا في الحياة الفكرية الأميركية، فقد تشكلت من حوله مدرسة في ثمانينات القرن المنصرم عرفت بمدرسة الاضمحلال، وقد استندت هذه المدرسة إلى 3 افتراضات رئيسية، هي:
- أن الولايات المتحدة تتراجع على المستوى الاقتصادي مقارنة بقوى مثل اليابان وأوروبا الغربية والدول الصناعية الجديدة. 
- أن القوة الاقتصادية هي العامل المركزي في قوة أية أمة، ومن ثم فإن هبوطها في القوة الاقتصادية سيؤثر في الأبعاد الأخرى لقوة هذه الأمة. 
- أن الاضمحلال النسبي للقوة الأميركية إنما يرجع في الدرجة الأولى إلى إنفاقها الكثير جدا على الأغراض العسكرية، والتي هي نتيجة محاولتها الاحتفاظ بارتباطات خارجية لم تعد تقوى عليها.
هذا الطرح لـ "بول كيندي" تعرض في واقع الأمر إلى انتقادات شديدة من خبراء لهم أوزان استراتيجية ثقيلة مثل "زيجينو بريجنسكي" مستشار الأمن القومي الأميركي الراحل، الذي قدم صورة مختلفة ومتفائلة كثيرا عن ما ذهب إليه بول كيندي، وإن ربط تحليلاته بمعالجة أميركا مشاكلها الداخلية، ومن ثم عودتها قوية إلى الساحة الدولية مرة أخرى. 
هنا ربما تكون الخلاصة هي أن هناك شركاء آخرين سيشاركون واشنطن في قطبيتها، ولن تعود المتفردة بمقدرات العالم بشكل أحادي إلى إشعار آخر.
كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .