العدد 5315
الخميس 04 مايو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
الجهل المقدس والجهل المؤسسي
الخميس 04 مايو 2023

تحدث المفكر الراحل الدكتور محمد أركون في إحدى ندواته عما أسماه بـ “الجهل المقدس والجهل المؤسسي”، وهما وجهان للجهل نعاني منهما إلى اليوم، بل وهما وراء حالة الاعتلال الفكري والنفسي الذي أصاب معظم مجتمعاتنا.
ويمكن أن أضيف إلى مقولة أركون ما يمكن أن نسميه بـ “مشكلة إدمان حالة التقديس المؤبد”، مثل تقديس الماضي وتقديس الأشخاص، وتقديس الخرافات والمخرفين الذين يبيعوننا الوهم، وتقديس بعض ما يتعلمه الطالب على مقاعد الدراسة من أفكار مفارقة للمنطق والعقل، فتصبح مثل هذه “القداسات” متحكمة في حياته وموجهة لأفكاره ومواقفه ونادرا ما يمكنه التخلص منها، لأنها تتحول مع الزمن إلى بنية آيديولوجية صلبة يصعب بعد تشكلها وبعد بناء السياجات حولها أن يتزحزح الفرد المغيب عنها تماما. فتتحكم هذه الآيديولوجيا في مسار حياته وفكره، مع أنها تتولى بالأساس تشويه الواقع، والعمل على إعادة انتاجه بصورة معكوسة. لذلك من السهل تماما أن تعمل هذه الآيديولوجيا المتحكمة على إضفاء المشروعية على كل ما بات داخل سياج القناعات مهما كانت خاطئة، بل والعمل على إدماج الآخرين وإخضاعهم، ضمن دائرة الوهم الناجم عن غياب العقلانية والوعي اللذين يجعلان الفرد حرا في مقارباته وفي مواقفه، ولذلك نجد اليوم حالة سيلان للأوهام والأساطير تقدم لنا صورة مشوهة عن الواقع.
وهذا ما يفسر بعض ما نراه من غيبوبة للمجاميع إزاء الأوضاع والتحولات الجارية من حولنا في العالم، والانغماس في مقابل ذلك - في مسارات الجهل، وما ينتج عن ذلك من بؤس الفكر وفساد الموقف والتحصن بالشعارات الجوفاء وباللغة الخشبية والتبرير لكل شيء والدفاع المستميت عن الخطأ، وعدم امتلاك الشجاعة لمراجعة المواقف التي ثبت خطؤها، بل وتخويف الناس من أن يكونوا أفرادا أحرارا، يتمتعون بحرية فكرهم واختيارهم بعيدا عن التسلط الآيديولوجي، مهما كان شكله. لذلك ليس غريبا أن نلاحظ أننا من أقل الأمم قدرة على المراجعة، فما بالك بالاعتراف بالخطأ والاعتذار. لذلك أيضا، فلا غرابة أن نسقَ القيم في تعبيراته المدنية الحديثة، يتعرض اليوم إلى نوعٍ من التصدُّع المفضي إلى عدمِ القُدرة على رؤية الأشياء على حقيقتها، نتيجة انفصال المعرفةِ عن الأخلاقِ وانفصال الفكر عن العقل.
كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .