العدد 5312
الإثنين 01 مايو 2023
banner
مجـرد رأي كمال الذيب
كمال الذيب
انتهاء مرحلة التمدّد الاستراتيجي
الإثنين 01 مايو 2023

في المقالة السابقة (التاريخ يتحرك في أماكن أخرى) أكدنا أن هناك ما يشبه الإجماع بأن صورة العالم في طريقها إلى التغير، وأن مرحلة الهيمنة الأميركية المطلقة عليه في طريقها إلى التقلص، واستكمالا لذلك يمكن أن نحاول الإجابة عن السؤال التالي: لماذا تفقد الولايات المتحدة الأميركية السيطرة المطلقة التي طالما تفردت بها منذ سقوط الاتحاد السوفييتي؟
إن الولايات المتحدة الأميركية - بالرغم من مؤشرات التغير في الساحة العالمية - لا تزال قوة عظمى وستبقى لزمن طويل، إلا أنها بدأت تفقد مركز القوة المتفردة بقيادة العالم الآخذ في إعادة التشكل على نحو لم تتضح صورته النهائية بعد. إن أميركا التي تخيلها توماس جيفرسون كأمَّة مسالمة متميزة عن أوروبا التي كانت غارقة في الحروب الداخلية والاستعمارية، تختلف عن أميركا كما هي في الواقع، فقد تحولت إلى دولة محاربة، بعكس النموذج الذي حلم به جفرسون، بل ومارست في حق عدد من البلدان الأخرى ما كان يؤاخذه جيفرسون على الفرنسيين في عهد نابوليون، خصوصا ما كان يسميه بـ “محاولة فرض مفهومهم الخاص للحرية على الآخرين”.
كما أن مبادئ الرئيس الأميركي ولسون التي أعلنها في بداية العام 1820 ألهمت الأوروبيين وربما شعوبا أخرى، أكثر مما أثّرت في سياسات الولايات المتحدة الأميركية الخارجية، حيث لم تعد لتلك المبادئ التي أعلنها ولسن، ومنها: (حرية التفكير والتعبير والتجارة والمعتقد والعمل وحق تقرير المصير) أية أهمية كبيرة في الممارسة. ولذلك لا غرابة أن تفقد أميركا قدرتها على قيادة العالم، لأن مجرد امتلاك القوة العسكرية والاقتصادية لا يصنع رؤية ولا الجدارة على القيادة. وليس مستبعدا على المدى القريب أن تتبادل أوروبا المتوسعة وربما الصين الموقع مع أميركا، بسبب افتقارها الرؤية والقدرة على الاضطلاع بمسؤولياتها بكفاءة وإرادة وعدالة. وتوجد وراء العواصف المعلنة والحروب المفتعلة عوارض من الضعف والخلخلة. لذلك يتزايد عدد الأميركان الذين يعون ذلك، فيعلنون انتهاء العصر الأميركي الذهبي الذي كانت فيه أميركا تدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وتقف فيه إلى جانب الحق والقانون الدوليين.
من المرجح إذا أن مرحلة القطبية الأحادية تتجه نحو نهايتها، لأن قانون “التمدّد الاستراتيجي”، يفضي في الغالب إلى زوال الامبراطوريات في التاريخ، أو إلى إعادة تشكلها. كما أن العالم يبدو بصدد إعادة التشكل أو دخول مرحلة من الفوضى الجديدة التي نستشعر قربها.
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .