موضوع مثير نشره موقع “دويتشه فيله” حول “مدن الـ 15 دقيقة” التي تقوم على توفير الضروريات الأساسية على مسافة 15 دقيقة سيرًا على الأقدام أو بالدراجة الهوائية أو استقلال وسائل النقل العامة بهدف تقليل الانبعاثات وحماية البيئة ومساعدة الناس على تلبية الاحتياجات الأساسية بشكل أفضل.
رغم أن الحديث عن هذه الفكرة تصاعد منذ جائحة كورونا قبل سنوات معدودة، وتزايد الاهتمام بقضية المناخ وما تتعرض له البيئة من مخاطر وانتهاك في البر والبحر والجو، لكنها تعود إلى عشرينيات القرن الماضي حينما اقترح كلارينس بيري، المخطط العمراني الأميركي، فكرة الوحدة السكنية الملائمة للعيش، وشهد العالم عام 1962 تجربة عملية في مدينة كوبنهاغن عندما منعت دخول السيارات في بعض شوارع التسوق الرئيسية، وخصصتها للمشاة فقط، بينما شهدت السنوات الخمس الأخيرة تسابقًا وسجلت حضورًا لبعض المدن مثل أوترخت وباريس وبرشلونة وشنغهاي في تطبيق مفهوم مدن الـ 15 دقيقة.
الدعوة والفكرة في ظاهرها وربما مقاصدها محمودة ومطلوبة فهي بالنهاية تضمن أو تسعى لتوفير كل ما يحتاجه السكان من أماكن تسوّق وتعليم وترفيه، وتمكنهم من الحصول على ذلك في غضون دقائق قليلة من دون عناء، لكن الفكرة لا تخلو من مخاوف ومخاطر ونواقص، كونها قاصرة ومنصبة فقط على الجوانب والاحتياجات المادية للإنسان وتتجاهل طبيعته الإنسانية واحتياجاته الاجتماعية التي تدفعه لقطع آلاف الأميال للتواصل مع الأهل والأقارب وتحقيق الإشباع النفسي والراحة الاجتماعية التي لا تقل أهمية عن الراحة المادية، كما أن تطبيق مدن الـ 15 دقيقة يحتاج لتخطيط عمراني وإعداد مسبق لها قبل ازدحام السكان بطريقة عشوائية في منطقة ما، وتكلفة باهظة لا طاقة لكثير من دول العالم بها، وتحمل مخاطر تقسيم الدولة الواحدة إلى ما يشبه المقاطعات أو الكانتونات المنفصلة عن بعضها البعض، وربما تتولد الأحقاد والتوترات فيما بينها وربما تفرض عليها بعد ذلك الكثير من القيود التي تحول هذه الكانتونات إلى سجون وأسوار مانعة لمظاهر عديدة من الحريات.
* كاتب مصري