العدد 5285
الثلاثاء 04 أبريل 2023
banner
رسائل إلى الإمام
الثلاثاء 04 أبريل 2023

منذ بداية شهر رمضان الكريم، وبالتحديد عقب الإعلان عن مسلسل رسالة الإمام الذي تنتجه شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ليجسد حياة الإمام العادل الراحل الشافعي.. تم تكليفي على الفور بإجراء قراءة في كتاب للراحل العلامة الدكتور سيد عويس يرصد فيه ما استطاع من 163 رسالة عبر البريد الإلكتروني للإمام الشافعي من شخصيات تستنجد به من الظلم وضيق الحال والسرقة، لأنهم لا يستطيعون الذهاب إليه.
وأول ما لفت نظري وشد انتباهي عبارة للدكتور سيد وهو يصف حال المحبين للإمام عندما قال "وقف الفقراء والأميون والعاجزون عن مواجهة الصعاب من المصريين لما يزيد على الألف عام على عتبات ضريح الإمام الشافعي، يطلبون وساطته ومساعدته لحل مشاكلهم، ربما لعجزهم عن التواصل مع مؤسسات الدولة الرسمية، فكان ضريح الشافعي وغيره من أضرحة الأولياء الصالحين ملاذهم الأخير". اقرأ ولأول مرة مختارات من رسائل المظاليم المصريين إلى قبر الإمام محمد بن إدريس الشافعي في منطقة الإمام بالقاهرة القديمة، رسائل من بسطاء الخمسينيات إلى رحيم عصره وزمانه، إلى القاضي العادل والإنسان المتربع على عرش الفقه الإسلامي وحارس قواعده وثوابته وتعاليمه. تم تكليفي بالعرض الصحافي، لكن لظروفٍ ليس هذا مجال التطرق إليها لم ينشر ما كتبته، بل إنني لن أعيد الكرة وأعيد نشر ما كتبته، فلكل حرف زمانه وأوانه، وللكلمة مكانها المناسب ووطنها المختار.
والسؤال ماذا كانت تحمل الرسائل الـ ١٦٣ إلى الإمام الشافعي وكيف تطرق إليها العلامة سيد عويس؟ إنها مجرد رسائل من بسطاء في ريف مصر تحمل جميعها شكواهم من حالة ظلم بين تعرضوا له، من فقراء تمت سرقة ثلاثة كيلوجرامات برسيم من أحدهم ودجاجة من منزل سيدة معوزة وتسعمئة قرش من آخر وغذاء لبهائم شخص آخر. وجميع هذه الرسائل تم إرسالها ما بين عامي ١٩٥٦ و١٩٥٨ حتى سبعينيات القرن الماضي، وجميع مرسليها كانوا يؤمنون بالله ورسوله، لكنهم في ذلك الوقت يعتقدون أن رسائلهم إلى الإمام قد يجدون فيها وساطة يكلف بها الفقراء قاض عادلا ليقوم بالدعاء إلى الله نيابة عنهم لعلهم يحظون بالاستجابة ويعود إليهم ما تم نهبه في غفلة منهم. 
هي حالة صوفية متوحدة من مؤمنين مع جدارية موجودة حتى هذه اللحظة على أحد حوائط مسجد الإمام وغيره من مساجد القاهرة القديمة، ومن بينها مسجد سيدنا أبو السعود الجارحي، فيوجد بيت من الشعر يقول "لأبي السعود الجارحي توجهوا تقضى حوائجكم بإذن الله".
وكانت تلك قصيدة شعرية من أحد خطباء المسجد الأزهريين، لكنها تترجم منذ أربعينيات القرن الماضي وذلك لإيمان المصريين بوساطة أولياء الله الصالحين مع الله عز وجل من تيسير أعمالهم وإصلاح أحوالهم، هو ما كان يريد أن يذهب إليه الدكتور سيد عويس في مبحثه المعتبر الذي طبع مرتين.
ومن حسن الطالع أن المسلسل الرمضاني رسالة إلى الإمام والذي يعرض حاليا على الفضائيات المصرية، يجسد كيف كان الإمام الشافعي رائدا تنويريا قبل عشرة قرون من الزمان، وكيف أننا نمضي على خطا الرواد وكلنا أمل في أن القادم دائما أفضل. 

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية