العدد 5260
الجمعة 10 مارس 2023
banner
عزيزتي عزيزة جلال
الجمعة 10 مارس 2023

كنت في المطبخ أفتش عن عود بخور يلطف الأجواء، سمعتك من شباك مطبخ الجيران تغنين “هو الحب لعبة؟”، لفتت نظري لأول مرة نبرة الاستنكار العالية في سؤالك، والتي تضع “اللعب” في منزلة الأمور المخجلة.


عزيزتي.. اخترع الأطفال ألعابهم ليمتلكوا طريقة تشبههم في استكشاف الكون وقدراتهم كبشر، ثم تفوق كل طفل في لعبة ظلت بداخله حتى آخر يوم له على الأرض. البارع في “الاستغماية” ومشتقاتها يكبر وهو يمتلك القدرة على إخفاء عيوبه، وأن “يداري” على الناس ما يحلو له أن “يداريه”، هذا الشخص الذي بدأ حياته يتدرب على “فن الاختباء” بإخلاص، اكتسب مهارة لابُدَّ أن يحمد الله عليها في عالم قائم على الفضول وملاحقة الآخرين، مهارته تلك تعظم كلما كان قرينه في اللعبة شخصا يمتلك ذكاء المطاردة وقراءة أفكار الآخرين، هذان الشخصان خرجا من اللعبة بفائدة تتجاوز اللهو. من يجتهد في قراءة خريطة المكان جيدًا يكبر فيصبح على علم بكل نقطة في عالمه تخصه وتجعله مميزًا، ووحده من يجتهد في قراءة أفكار كل من يشاركونه اللعبة يكبر فيصبح قادرًا على قراءة أفكارهم، فإما أن يعبر عنهم أو أن يستدرجهم في تحقيقات النيابة للاعتراف.


لاعبو “السيجا” أو “إكس أو” هم المفكرون العظماء المؤسسون لمبدأ “اللعب على خسارة الخصم هو أقصر طريق للفوز”، فتراه معظم الوقت مشغولا أكثر بالتقفيل على الخصم، يمتلكون مهارة إرباك المنافس ويعولون عليها، إذ غالبًا ما تقصر عليهم الطريق بالفعل، لكن أهم ما يكبر معهم من حكمة هذه اللعبة أن الخسارة ليست مسألة مباراة واحدة فخسائر متعددة ستقود حتمًا لانتصار ما، ووقتها يتحدد مصير الاستمرار في اللعب. “الأوله” لعبة البنات المفضلة تلخص قصة حياتهن في بلد شرقي، لابُدَّ من الخفة والدلال مع تشغيل المخ والحرص، فالحركة من مربع إلى مربع محسوبة، ودخول مربع خطأ غلطة لا تغتفر قد تهدم اللعبة كلها، مدمن “ملك ولا كتابة” هو الطفل النصاب أبو دم خفيف، أكثر أبناء “شلته” حبًّا للمقامرة في معناها الأوسع، هو أكثرهم تحقيقًا لإنجازات تدعو للفخر وهو في الوقت نفسه أكثرهم انكسارات.


وددت أن ألفت نظرك لضرورة التفتيش في المرة القادمة عما يصف اللهو والاستهتار في الحب بما يجعله مثيرا للامتعاض وهو آخر ما يمكن أن تثيره أية “لعبة”. محبتي.


* كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية