الرابع من مارس الجاري، أصدر ثلاثة من علماء الدين في البحرين، بياناً مشتركاً حول “التصفيق” في المناسبات الدينية، معتبرين ذلك بمثابة “هتك” لـ “حرمة المسجد وقدسيته”، ناصحين بأهمية أن يتحرى القائمون على المناسبات “الدقة في تطبيق أحكام الشرع الحنيف”.

وضمن سياق الجدل الدائر حول الموضوع، بين فريق لا يجد في التصفيق مشكلة، وآخر لا يحبذه ويعده غير متناسبٍ مع شأن المكان، تم تداول فيديو قديم يعود إلى نحو 6 سنوات مضت، بعنوان “هل يجوز التصفيق في المواليد والأعراس كفرق الإنشاد”، سرد فيه الشيخ المتحدث مجموعة من الفتاوى الفقهية لعدد من المرجعيات الدينية حول التصفيق، جاءت بـ “الحلية” وعدم الحرمة، وإن تحفظ بعض الفقهاء أو حذرَ من ذلك، معتبراً أن هذه الممارسة لا تليق بـ “المؤمنين” وأنها قادمة من الغرب، وأن الأفضل هو ذكر الله والصلاة على نبيه! فيما آخرون نهوا عن التصفيق في المساجد والمآتم!

إن جميع التعليقات التي أوردها الفقهاء المتحفظون، هي من باب التحوط الزائد، وتقييد العمل خوفاً من سلبيات يعتقدون أنها مصاحبة للتصفيق، وهم بذلك يستخدمون باب “سد الذرائع”، إلا أن أصحاب هذه الآراء قاموا بتضييق ما هو واسع، وحددوا تصورهم للسلوك الديني في أنماط هي أقرب للغلظة والتجهم منها للفرح؛ لأن السائد في المخيال الديني الشعبي، أن الفرح المبهر الذي تتمايل له الأجساد طرباً هو من سلوك “أهل الفسق والفجور” و”مجالس أهل اللهو”، إلا أن المتأمل يجد أن طبيعة الروح هي الميلُ للجمال والطرب للإيقاع والموسيقى، وهو ما نجده في أشعار كبار العرفاء، وتبصره العين في جلساتِ الذِكرِ لدى الصوفية وأرباب القلوب!

من جهة أخرى، يُلحظ أن التيار الديني في مجمله، بات ينشغل بالصغائر والقضايا الهامشية جداً، كالتصفيق، لأنه غير قادر على تقديم رؤية معاصرة تعيد صياغة الخطاب الديني، وتهذبه من الخرافة والتعصب والتمذهب، وتقدم أجوبة جديرة بالتأمل عن الأسئلة الكونية الكبرى التي يطرحها الجيل الجديد، حول معنى الدين وغاياته والهدف منه، ومفهوم التدين المعاصر، والحرية الفردية ومفاهيم كالمساواة، الحقوق المدنية، العدالة، الحق في الاختيار الحر.. وتعالق هذه المفاهيم بالحياة اليومية التي تسير فيها المجتمعات نحو مدنية الدولة لا تديينها، خصوصاً أن التقدم العلمي والتقني، وأيضاً الحفريات التاريخية والأبحاث المنشورة في علم الإناسة، جميعها تدفع هذا الجيل للتفكير خارج السياقات المحافظة، وهي سياقات لم تعد قادرة على مجاراة التغيرات الكبرى.

*كاتب وإعلامي سعودي