العدد 5255
الأحد 05 مارس 2023
banner
الكراهية الدينية وأثرها النفساني المدمر!
الأحد 05 مارس 2023

مقالُ الأسبوعِ الفائت “الدموية العابرة للمذاهب”، أشرت فيه إلى تشابه جذور العنف لدى المجموعات الطائفية، كون التعصب والتطرف وكراهية المختلف والتحريض عليه، جميعها ممارسات تقود تلقائياً إلى الاغتيال المعنوي والإيذاء الجسدي، وهي تستحيلُ في أقسى صورها إرهاباً وتفجيراً يستهدف المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء.


منطقة الخليج العربي، مرت بسنواتٍ من “الإرهاب الأسود”، الذي استهدف دوراً للعبادة، حيث فجر عدد من الانتحاريين أنفسهم في مساجد وحسينياتٍ، بسبب الشحنِ الطائفي. لم يكن “داعش” عدواً للمسلمين الشيعة في الخليج وحسب، بل نصب البغضاء تجاه المختلفين معه من المسلمين السنة أيضاً، واستهدف الحكومات والمقار الرسمية المدنية والعسكرية، بل، وصلَ به الأمر لأن يعتدي بعض منتسبيه على أفرادٍ من عائلاتهم ويذبحونهم دون أن يرفَ لهم جفنٌ.. فـ “الإرهابي” يعادي كل من ليس في ضفته، فهدفه تقويض الاستقرار وإشاعة الفوضى!


إن الكراهية المبنية على موقف ديني متطرف، هي واحدة من أخطر الممارسات التي تهدد المجتمعات، ليس لأنها تثير الصراعات المذهبية وتقوضُ السلم الأهلي وحسب - رغم فداحة ذلك - إلا أن الضرر الجسيم هو ما تسبب من عطبٍ في النفس البشرية، وتشويه لسويتها الإنسانية، فهي تجعل الفرد الخاضع للخطابات الأصولية، ذا نفسٍ لا تطيق المختلف عنها، وتضيق به ذرعاً، وتشعر وكأنه عدوٌ لله ورسله، وتسعى للتخلص منه!

هذه الصور الذهنية السلبية لدى المتطرفين، تزداد قتامة بسبب الاضطرابات النفسية التي يعيشونها، فهم بقدر ما يتخذون مواقف بناء على آراء عقدية تكفيرية، هم أيضاً يتحركون بناء على دوافع نفسية غير مستقرة، نتيجة التلقين الطويل، والتخويف، واستمالة الحمية الدينية، وكلها أساليب لـ “التعبئة” تقوم بها الجماعات المتشددة، وعبرها تسعى لأن تستغل هؤلاء الأفراد في القيام بعمليات “انتحارية” ضد أهداف رخوة، كالتجمعات البشرية في دور العبادة أو الأسواق أو المدارس، وهي أماكن يفترض أن الوازع الأخلاقي والديني يمنع التعرض لها بسوء، إلا أن كون هؤلاء الانتحاريين لديهم أدلوجة عنيفة ونفسا غارقة في الكراهية، وفي دواخلهم رغبات في الانتقام ومعاقبة المجتمع وربما أيضاً نية في مغادرة الحياة هرباً من مشكلاتٍ أو مسؤوليات معينة، كل هذه العوامل مجتمعة تدفع باتجاه القتل المبني على الكراهية الدينية، لذا من المهم رصدُ هذه الظاهرة والعمل على تحليلها ونقدها بعلمٍ وشفافية.


كاتب وإعلامي سعودي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .