العالم الذي يدعي الإنسانية والتسامح وحقوق الإنسان أنفق على التسليح 2442 مليار دولار خلال العام الماضي فقط طبقا لمعهد استوكهولم لأبحاث السلام، دون النظر إلى الفقر أو التغيرات المناخية والبيئية التي تنذر باختلالات كارثية على الكرة الأرضية. تحتل الولايات المتحدة المركز الأول كأكبر مصنع وأكبر مصدر لأكثر من 170 دولة في العالم، تليها روسيا والصين وفرنسا وألمانيا.
خلال الشهر الماضي صدق الرئيس الأميركي جو بايدن على حزمة مساعدات عسكرية قيمتها 95 مليار دولار إلى إسرائيل وأوكرانيا وتايوان للتحكم في مفاصل العالم شرقا وغرباً، ومواجهة إيران وروسيا والصين. من هنا يبدو تعليق أميركا لصفقة الأسلحة إلى إسرائيل أمرا غير جدي، لاحظ أنه تعليق فقط وليس منعا. تجارة السلاح في أميركا يعمل بها 80 % من الجنرالات في سوق حرة مفتوحة. الموضوع ليس صفقة سلاح معلقة، لكنه صراع دولي أكبر وأشد، أميركا كما نعلم دولة رأسمالية تقوم سياستها على فتح الأسواق وتشجيع اتفاقيات التجارة الحرة مثل اتفاقية “الجات” وأخواتها لأجل عيون حرية التجارة العالمية، لكنها بعد سنوات من تطبيق هذه السياسة فوجئت بالصين تغزو أسواقها بالسلع والمنتجات، وكذلك بالتكنولوجيات والتطبيقات الحديثة مثل تيك توك وغيرها. أمام هذه الضربة المباغتة قامت أميركا بالتضييق وحظر المنتجات الصينية لكنها تدرك أن هذا غير كاف لإيقاف المارد الصيني القادم لا محالة، وهنا عمدت أميركا إلى استدراج الصين لميدانها الأثير، الحرب. مدت تايوان بالأسلحة تراهن على وقوع الصين في الفخ كما حدث مع الدب الروسي في أوكرانيا، ما يقوض أو على الأقل يوقف نموها الاقتصادي المتسارع. الصينيون تعلموا الدرس واعتمدوا سياسة الصبر الاستراتيجي وطبقوها ببراعة، فلم يدخلوا في صراعات بشكل علني ولم ينزلقوا إلى فخ تايوان على كثرة الاستفزازات الأميركية. في صراع الديناصورات هذا أميركا أكبر قوة عسكرية على وجه الأرض يستحيل هزيمتها دون أن يصبح العالم كومة تراب.
الهزيمة الاقتصادية فككت الاتحاد السوفييتي، إذا هي الطريق الوحيد المأمون لهزيمة أميركا بأقل الخسائر لها وللعالم أيضا. اللعبة أصبحت مكشوفة أميركا تريد استدراج الصين إلى الحرب، والصين تعيدها إلى ملعب الاقتصاد الحر الذي استدرج - الغرب - إليه العالم. بالحرب تنتصر أميركا وبالاقتصاد تنتصر الصين. حروب غزة وأوكرانيا بيادق في لعبة الصراع هذه، استمرارها بهذا الشكل يعني لا انتصار لأي منهما، فيما ستكون تايوان المحطة الأخيرة الفاصلة، من يستطيع أن يقول للآخر: كش ملك، سوف يكون النصر حليفه.
مدير تحرير “الأهرام”