من النوادر المهمة والمحزنة في آن واحد، ما حدث لابن حزم الأندلسي، وهو أديب وشاعر ومن بين كبار فقهاء عصره؛ فهو صاحب المذهب الظاهري. فقد أثار ابن حزم عداء المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية بالأندلس، فطارده وهدم دوره وصادر أمواله وأملاكه، فصبر على ذلك الأذى.
وأراد المعتضد أن يؤذي ابن حزم أكثر مما فعل، فقام بحرق كتب مكتبته التي جمعها عبر سنين، وكان يفخر ويعتز بها، حيث استفاد منها الكثيرون من رجال الفقه والأدباء والمؤخرين آنذاك. وعندما بلغه ما فعله المعتضد ابن عباد بكتبه، قال متحديا صاحب إشبيلية:
دعوني من إحراق رق وكاغد
وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
فإن تحرق القرطاس لم تحرقوا الذي
تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي
وينزل إن أنزل ويدفن في قبري
ومن الطرف المهمة التي وثقتها كتب التراث العربي ما روى المقريزي عن الحضرمي. قال الحضرمي: أقمت بقرطبة ولازمت سوق كتبها مدة أترقب فيها وقوع كتاب كان لي بطلبه اعتناء، إلى أن وقع وهو بخط فصيح وتفسير مليح، ففرحت به أشد الفرح فجعلت أزيد في ثمنه فيرجع إلي المنادي بالزيادة عليّ إلى أن بلغ فوق حده. فقلت له يا هذا أرني من يزيد في هذا الكتاب حتى بلغت الزيادة إلى ما لا يساوي. قال فأراني شخصا عليه لباس رئاسة، فدنوت منه وقلت له أعز الله سيدنا الفقيه إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركته لك، فقد بلغت الزيادة بيننا فوق حده.
فقال لي: لست بفقيه ولا أدري ما فيه، ولكن أقمت خزانة كتب (أي أسس مكتبة خاصة بمنزله)، واحتفلت فيها لأتجمل بها بين أعيان البلد وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب، فلما رأيته حسن الخط جيد التجليد استحسنته ولم أبال بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم من الرزق فهو كثير.
قال الحضرمي فأحرجني وحملني على أن قلت له: نعم لا يكون الرزق كثيرا إلا عند مثلك.. “يعطي الجوز من لا أسنان له”.
ومن بين النوادر المتعلقة بالنساء الكاتبات ما ذكره أحمد بن صالح عن وصف جارية كاتبة جميلة، وأخذ يقارنها بالأدوات التي تستخدمها في الكتابة قائلًا: كأن خطها أشكال صورتها، وكأن مدادها سواد شعرها، وكأن قرطاسها سهام أديم وجهها، وكأن قلمها بعض أناملها، وكأن بيانها سحر مقلتها، وكأن سكينها سيف لحظها، وكأن مقطها قلب عاشقها.
وفي ذلك المعنى قال (القصار) شعر يصف جارية كاتبة اسمها علم:
أفدي البنان وحسن الخط من علم
إذا تقمعن بالحناء والكتم
حتى إذا قابلت قرطاسها يدها
ترى ثلاثة أقلام على قلم
*كاتب ومؤرخ بحريني