العدد 5212
السبت 21 يناير 2023
banner
المعرض والكتاب والتحدي الكبير
السبت 21 يناير 2023

المعارض، أمهات الكتب، حلقات النقاش، الندوات الدوارة.. جميعها أدوات يستخدمها معرض القاهرة الدولي للكتاب كي يعبر عن نفسه، كي يعلنها للعالم أجمع أن هذا المعرض الذي يبلغ من العمر عشرات السنين مازال في عمر الشباب، ومازال كبار الأدباء والمفكرين والمثقفين ينتظرونه من العام إلى العام، ربما يخرج كاتب من كهوف الصمت ليعلن عن نفسه أول مرة، وربما يأتي من بعيد جيل جديد من الشعراء الذين يضيفون للشعر العربي في مسيرته الطويلة المتغيرة، وربما وربما.. لكن الأكيد أن الخامس والعشرين من شهر يناير الجاري هو موعد انطلاق النسخة الجديدة الـ 54 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، والذي سيستمر حتى السادس من فبراير، 12 يومًا يتم خلالها عرض آلاف الكتب ويستقبل آلاف الزائرين من كل حدب وصوب.
ما يثير الاهتمام الإقليمي لهذا المعرض أنه يمثل عرسًا ثقافيًا ممتدًا من حيث إرثه التاريخي وحجمه الكبير وتأثيره على المنظومة الفكرية ليس في مصر العربية وحدها، إنما في بقية الدول العربية الأخرى أيضا، وما يؤكد هذا الزخم الكبير أنه يتضمن أحداثًا ثقافية مهمة يأتي على رأسها اختيار أفضل كتاب وأفضل كاتب وذلك من خلال فعاليات تنطلق من أول يوم إلى آخر يوم.
ونظرًا لإقليمية وعالمية هذا المعرض الكبير فإن العديد من أدباء البحرين وكتابها المعروفين تم تكريمهم في هذا المعرض ومن بينهم الشاعر قاسم حداد والشاعر علي عبدالله خليفة والأديب والمفكر والموسيقي المعروف إبراهيم راشد الدوسري، وغيرهم من الذين اعتادوا أن يكونوا جزءا لا يتجزأ من هذا الكرنفال الثقافي الكبير. 
هنا لابد أن نتوقف عند نقطة في غاية الأهمية، وهي أن الكتاب مازال يحتل الصدارة في المقروئية رغم الهجمة التكنولوجية التي قصمت ظهر الصحف الورقية، ورغم اهتمام الشباب بالقراءة عبر الوسائل والوسائط الأخرى مثل القراءة على الحاسوب وعلى الهواتف الذكية وعلى مختلف الشاشات حتى التلفزيون الذكي ومن خلال الفيديو وغيرها من أدوات السينما والمرئيات والماورائيات.. هذا يوضح إلى أي مدى أن الكتاب لم يُهزم في معركته المصيرية أمام هجمة الديجيتال، بل مازال في أوروبا واليابان والصين والدول المتقدمة يمثل الرفيق والصديق وأُنس الوجود مع كل من يسافر في قطار أو طائرة أو حتى أثناء تنقلاته في المواصلات العامة.
الكتاب لن يموت وسيظل رفيقًا للإنسان أينما وجد وأينما حل، والاستسلام لقياصرة الذكاء الاصطناعي الذين يقيمون كل يوم على وجه التقريب سرادقات عزاء للكلمة الورقية نقول لهم: معرض القاهرة الدولي للكتاب يرد عليكم بالتجربة والبرهان بأن الكتاب الورقي مهما عانى الأمرين من غياب الدعم الحكومي أو المؤسسي، ومهما تعرض لمزيد من الهجمات الإلكترونية وتلك التي تحاول إقصاءه عن عرشه فإن اهتمام الناس والشباب على وجه الخصوص يؤكد مدى أحقية الكلمة المحفورة على الورق بأن تعتلي الصدارة وأن تكون لها الكلمة العليا عند القارئ الحصيف.
نحن نعلم أن دور النشر والمطابع تعاني الأمرين من ارتفاع أسعار الورق، وهو ارتفاع عالمي بأي مقياس من المقاييس وليست لدينا أية سيطرة عليها، الأمر الذي يتطلب أن تقف الدول العربية خلف الكتاب المهضوم حقه، وبجوار الكاتب الذي يعاني، وأمام المجتمع الذي يشهد بأن المثقفين هم صناع المستقبل ولا يصح ولا يستقيم بأن يكونوا في ذيل اهتمامات الدولة أية دولة.
كان عدد سكان الهند في خمسينيات القرن الماضي لا يتجاوز الخمسمئة مليون نسمة، وكان عدد مثقفي هذه الدولة الناشئة لا يتجاوز 10 % من عدد السكان أي نحو خمسين مليون مثقف، ورغم ذلك كان الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، يعول الكثير على هؤلاء المثقفين ويقوم بدعمهم بنفسه، لأنه كان مؤمنًا بأنهم قادرون على حمل الكتلة البشرية الضخمة على أكتافهم، وهو ما أدى بعد ذلك إلى أن تكون الهند اليوم رابع أكبر قوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية في العالم، وهو ما يضعنا أمام التحدي الأكبر، إما أن نكون مثل الهند دولة عظمى لها مكانتها بين الكبار، وإما أن نقول على الدنيا السلام.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .