تأسرك بعض التجارب الإنسانية إلى حد الذهول، تتمعنُ في سرها الغامض ومكمن قوتها، تتوغلُ في تفاصيلها علّك تصلُ إلى منتهى الشجاعة التي يتحلى بها أصحابها، من بين تلك التجارب قصة (حسن فضل)، الشاب البحريني الذي أهداني كتابه الأخير "عاشق الكالسيوم"، وهو أول كتاب يوثق لتجربة مريض "هايبو باراثايرويد"، حيث تناول فيه مسيرته الطويلة مع المرض النادر الذي كانت بداياته وهو في سن الرابعة من عمره، حيث أصيب بتشنجات وتقلصات وآلام في كل العضلات، نتيجة نقص هرمون الباراثايرويد الذي يعمل على امتصاص الجسم للكالسيوم، وتصاحب ذلك آلام حادة في الجسم، وتشنجات عضلية، ولك أن تتخيل حجم الآلام التي ترافقه طوال تلك الفترة بصورة يومية.
استلزم ذلك حضورًا يوميًا في قسم الطوارئ في مستشفى "السلمانية" بعد تطور المرض، وقضاء ثماني ساعات متواصلة لأخذ جرعات الكالسيوم، في كتابه الشيق ذكر تفاصيل زياراته اليومية للمستشفى، كما كشف عن سعيه الذي لم ينقطع يوما باحثاً عن علاج ينجيه من وحش المرض الذي يتربصُ به كل لحظة. وصف حسن ذلك في كتابه، وكأنه وحشٌ يتعقبني كل يوم، يريدُ مني الاستسلام، لكنني سأستمر في مواجهته بجسارة وتحدٍ رغم هجومه الشرس على جسدي الضعيف. قوة الروح كانت له بالمرصاد، أعجبتني عبارة ذكرها في المقدمة: "في طفولتي كنتُ أبكي لكن وجه أمي المبتسم غسل كل الدموع، ومنحني جرعات أملٍ وتحدٍ فمهما كان المصير الذي ينتظرني لن أستسلم للقدر.. هكذا علمني وجه أمي".
أخذ يبحث يوما في محركات البحث المختلفة، علهُ يجد من يشاركه المرض نفسه، فهداه ذلك إلى جمعية دولية لمرض "الهايبوباراثايرويد"، كانت تلك قفزة في طريق البحث عن علاج. بدأ مراسلاته معهم، واتسعت دائرة التواصل بينهم، ليتعرف بعدها على "هلا روث"، تلك الشابة من أيسلندا وتعاني من نفس المرض، كانت حينها تتلقى علاجا باستخدام حقن هرمون الباراثايرويد الصناعي، هذه نقطة تحول كبرى في رحلة حسن للبحث عن العلاج ذكرها بالتفاصيل في الكتاب.
لا ينسى حسن جهود الدكتور غازي المحروس، والأستاذ فيصل فولاذ والدكتورة نسرين السيد، وآخرين كُثرا، كانت لهم مواقف مُقدرة وذات أثرٍ بالغ. حسن للتو تخرج من الجامعة الأهلية بتقدير امتياز، وانتصر على المرض بعد أن بات العلاج متوفرا في البحرين عن طريق حقنة منزلية تحت الجلد، ولم يعد بحاجة لحضوره اليومي لثماني ساعات في المستشفى. "حسن" اليوم شابٌ يشقُ طريقه في الحياة بروحٍ عالية لا تعرفُ المستحيل وبات ملاذًا لمن يريد الاستفادة من تجربته وتمكن من جعل البحرين محطة ووجهة للعلاج بالتعاون مع الدكتورة نسرين السيد وأسس فريقًا تطوعياً لمساعدة المرضى في المنطقة.