قرأتُ فيما قرأت، حكاية أحد المسافرين عندما كان مسافرا إلى إسطنبول، في صالة الانتظار قبل الوصول للوجهة النهائية في إحدى الدول. يقول راوي الحكاية: جاورني في الطائرة شخص لطيف، وتبادلنا الحديث معا، لم يكن في البداية سوى حديث المسافرين المعتاد: كم مرة زرت البلد؟ وأي المناطق نالت إعجابك؟ وما الفنادق الأفضل؟ ولأن صاحبي كان ودودا مهذبا دخل معه في أحاديث جانبية أعمق وكأن بينهما معرفة سابقة ممتدة لسنوات، وكان من بين الأحاديث تلك التي تتعلقُ بعمله السابق.
يتابع راوي الحكاية قائلاً: القصة التي سأرويها لك عجيبة وغريبة، كنتُ أعمل مديرا للموارد البشرية في إحدى المؤسسات الكبيرة، وفي أحد الاجتماعات وبينما كنا بحضور مسؤول كبير في المؤسسة ننظرُ في ترقيات بعض الموظفين بالشركة، توقف المسؤول عند أحد الأسماء، كان موظفا مستحقا للترقية، لكنه استبعد ملفه، فهو لا يستحق الترقية حسب تقديره! يقول صاحبي: استغربت! فلا يوجد مبرر لاستبعاد ذلك الموظف المتميز مع أنه في نظري أحق من غيره، غير أنني لا أمتلك الاعتراض، فالتزمت الصمت، ووضعت الملف جانبا حتى انتهى اجتماعنا، وبعد الاجتماع طلبت منه توضيحا لسبب استبعاد الموظف من الترقية، فما أعرفه عنه أنه جاد في عمله ومجتهد، يبذل قصارى جهده ليؤدي واجباته على خير وجه، وينتظم في مواعيد الحضور والانصراف.. وكان رده صادما وغير منطقي: "هذا شخص ما ارتحت له ولا توجد بيننا كمستري"!
دهشت! كيف تتوقف ترقية الموظف بناء على مزاج المسؤول وميوله النفسية ومشاعره التي يكنّها لموظفيه! فالترقيات لها ارتباط بأداء الموظفين، وليس بمدى ارتياحنا من عدمه. الموظف المسكين بدوره كان كثيرا ما يسأل عن ترقيته، ويأتي باستمرار للسؤال عن أمرها ولا نجرؤ على مصارحته بالحقيقة.
تمر الأيام، ارتكب هذا المسؤول "المزاجي" خطأ فادحا في العمل، وأدى ذلك إلى إيقافه ثم تحويله للتحقيق، ومن التحقيق إلى المحكمة، ثم إدانته والحكم عليه بالسجن لعدة سنوات! بعد تلك الحادثة بثلاث سنوات؛ كان الموظف كما عُهد عنه يعمل بجد واجتهاد، فترقى خلال تلك السنوات تدريجيا حتى أصبح في موقع ذلك المسؤول. وإن يكن هذا أمرا غريبا فإن الأغرب أنه بعد فترة من تقلّده منصبه جاءه شاب يطلب عملا؛ أي عمل، فقد كان يشكو حالتهم الصعبة، كان هذا الشاب ابن المسؤول السابق.
يقول فأمرني حالاً بتيسير أمره رغم ما يعرف من موقف أبيه من ترقيته. إنه لأمر أعجب العجب دوران الزمان، ومفارقة المواقف وتباينها بين الأشخاص!
السؤال الذي يتبادر للذهن عند سماع مثل تلك المواقف: أيها المسؤول الذي يحكّم عاطفته في تقييم عمل موظفيه ويعتمد في ترقيتهم على مزاجه ونفسيته، ويستند في ذلك على قشور لا تمتّ للعمل بِصِلة.. ألا تتوقع أن تجني ثمرة غرسك الفاسد يوما؟ وتقع في حبائله؟.
كاتب بحريني