العدد 5202
الأربعاء 11 يناير 2023
banner
2023.. أوقات حكماء العرب
الأربعاء 11 يناير 2023

على عتبات العام الجديد، يعن للقارئ المدقق والمحقق، لا سيما في ظل حالة الاضطراب الكوني الحادثة أن يتساءل عن أحوال العالم العربي، وكيف تمضي الرياح بسفنه، وهل هي قريبة من مرافئ الأمان، أم بعيدة عنها؟ يستهل العام أيامه بمخاوف بالغة من تطورات المشهد العالمي، سواء تعلق الأمر بالأوضاع الاقتصادية، وهناك تحذيرات من كبار المسؤولين في البنك الدولي، وكذا صندوق النقد الدولي، أو اتصل المشهد بالتطورات العسكرية، خصوصا الملف الروسي - الأوكراني، والذي يكاد يفجر أمن وسلام العالم، ويدخل الجميع في حرب كونية.
وبين هذه وتلك تظل المخاوف من عودة قريبة، إن لم تكن قد جرت بالفعل، لفيروس كوفيد - 19، أو متحوراته مرة جديدة. لم يعد من الوارد بحال من الأحوال، وفي ظل هذا الترابط الجغرافي والديموغرافي للبشرية، أن يتأثر من هم في الشرق بقضايا من هم في الغرب، والعكس صحيح.
هل هي أوقات مفصلية عالمية، يمكن فيها للعالم العربي أن يحدد موقعه وموضعه فوق الخارطة الأممية المتحركة، في سعيها لنظام عالمي جديد؟ يمكن أن يكون ذلك كذلك، قولا وفعلا، ولا يحتاج الأمر إلا لرؤية جماعية، واقعية ومنطقية، رؤية تستهدف صالح ومصالح الشعوب العربية مجتمعة، وحق كل دولة في الوعي بذاتها واحتياجاتها، ورغبة شعبها. من غير شك، يمكن القطع بأن زمن الشعارات الزاعقة، والرايات الفاقعة، قد ذهب من غير رجعة، لكن الحقيقة أن الإشكالية لم تكك أبدا في الشعارات والرايات، إنما في المقدرة على التطبيق، وتحويل النظريات والآيديولوجيات إلى برامج عمل نافعة.
ربما تبدو قضية الوحدة العربية، من منظور سياسي، قصة يوتوبية، تصلح في جمهورية أفلاطون، أو مدينة الفارابي، غير أنه هناك من القضايا العصرية ما يمكن أن يكون أحجار زاوية في مراكمة مخططات للبناء العروبي. أغلب الظن، ستكون قضية الركود الاقتصادي، والتضخم، هي قصة عام 2023، ومن هنا تتبدى الأزمات، غير أنه وبالرجوع إلى اللغة الصينية، فإننا نجد كلمة أزمة ترسم من خلال صورتين، الأولى تعبر عن الخطر، والثانية تشير إلى الفرصة.
يمكن لهذه الأوقات الصعبة أن تمثل رحما لأفكار ابتكارية من خارج الصندوق، يتم فيها بسط شبكة من التعاون العربي - العربي، ما بين الأرض الممتدة جغرافيا أفقيا، والثروة البشرية العربية المتصاعدة رأسيا، ومن خلال رؤوس الأموال العربية، والاستثمار البيني، ما يمكن أن ينتج عنه واقع مغاير، بل ويعكس التوقعات من سلبية إلى إيجابية.
أحد أهم الملفات التي يمكن للعالم العربي الإبداع فيها، يأتي ملف الطاقة النظيفة أو المتجددة.
أرض العالم العربي، وسماؤه، وبحره، وصحاريه، مناجم مؤكدة لا محتملة لهذه الطاقة، والتي يمكن أن تغير لا من شكل المنطقة فقط، بل العالم برمته. 
في الوقت نفسه، ربما يتعين على القائمين على شؤون الطاقة الأحفورية في المنطقة العربية، التنبه للكثير من الدعاوى المنحولة، التي تسعى جاهدة لتقليل الاستثمار في مجال الطاقة التقليدية، وذلك لحساب الطاقة الخضراء. 
على عتبات العالم الجديد، تبقى المعرفة أهم تحد عربي، وقد عرفت الحضارة العربية أزمنة ازدهار حين كانت العلوم تزن بالذهب، والجميع العرب والعجم، المسلمون والمسيحيون واليهود، يشاركون في وضع أساساتها.
حكما سوف تختلف تحديات العام الجديد عن سابقه، لهذا فإن اللحظة الحاضرة، هي لحظة حكماء العرب.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .