ورحل أسطورة الساحرة المستديرة بيليه عن عمر يناهز 82 عامًا بعد أن حفر اسمه في قلوب وعقول عشاق كرة القدم، وأصبح أيقونة مخلدة في تاريخ اللعبة الأكثر شعبية في العالم.
لقد ولد الساحر البرازيلي “بيليه” في العام 1940 وهو يحمل اسم المخترع الأميركي “أديسون”، وتوفي في مستشفى باسم العالم الشهير “أينشتاين” في العام 2022، ويا لها من مصادفة معبرة تلخص حياة شخصية عظيمة حولت لعبة كرة القدم إلى فن ومتعة للجماهير والمتابعين، وحلمًا وآملًا للفقراء والمعدمين، وأصبحت بلاده البرازيل واحدة من اشهر الدول في عالم الساحرة المستديرة في ستينات القرن العشرين بفضله، وهو “الملك” الأبدي لجمهورية كرة القدم!
إن الملايين حول العالم يشعرون بالحزن على وفاة “الجوهرة السوداء” بعد صراع طويل مع المرض، فقد كان يمثل طوال مشواره الرياضي قيم التنافس الشريف والدعوة المستمرة إلى الحب والتسامح، وشكره وامتنانه الكبير لله على الهبة التي حباها إياه؛ ليتمكن من إحداث “تحولات كبرى” عن طريق كرة القدم التي قيل إن بيليه هو أعظم من داعبها على مر العصور، لقد أوقف حربا في نيجيريا لمدة 48 ساعة، وصنع الكرة في أميركا، واعتبر في بلاده “كنزا وطنيا”.
لقد فاز بيليه بكأس العالم للمرة الأولى وهو في عمر 17 عامًا، وكان ذلك بعد 8 سنوات من خسارة البرازيل على أرضها أمام أوروغواي في العام 1950، وفي ذلك اليوم رأى والده يبكي حزنا، فقال له مواسيا إنه سيجلب الكأس إلى البرازيل من أجله، وهذا ما حدث بالفعل، بعد تألق بيليه في المباراة النهائية أمام السويد في كأس العالم بالعام 1958 عندما تحقق الحلم، ووضعت النجمة الأولى على قميص “السليساو”.
إن أعظم ما يملكه بيليه هو الموهبة، التي سحرت ألباب العالم، فكان يلعب كرة القدم بالطريقة التي لا يجيدها أحد سواه، وكان استعراضيا وفعالا في ذات الوقت، لذلك يقترن اسمه بالأهداف، وطوال مسيرته سجل أكثر من 1000 هدف ليدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكثر لاعب على وجه الأرض يضع الكرة في الشباك!
وينفرد بيليه، بالرقم القياسي الأبرز، وهو الفوز ببطولة كأس العالم 3 مرات، في أعوام 1958 و1962 و1970، وهنا تظهر موهبته الاستثنائية، حيث فاز في المرة الأولى وهو مراهق بعمر 17 عاما، وكرر الفوز بالبطولة وهو بعمر 21، وختم آخر مشاركاته بكأس العالم وهو بعمر 30 عاما، ليحتفظ بالكأس إلى الأبد!
رغم ذلك، يبقى بيليه اسما بسيطا في النطق، ولكن من الصعب أن تستجمع كل إنجازاته في كرة القدم، فهو صاحب فضل كبير في دخول اللاعبين من أصحاب البشرة السمراء إلى منتخب البرازيل، حيث كانت البلاد آنذاك تقدم نفسها على أنها “بلد أبيض”، الأمر الذي حرم بقية الأعراق من تمثيل المنتخب، حتى جاء بيليه ليسقط هذا الجدار العنصري البغيض إلى الأبد وتصبح هوية البرازيل خليطا متجانسا من الأعراق والألوان تحت راية “السليساو”!
إن العظماء الحقيقيون هم من يكون وجودهم في الحياة عاملًا أفضل للبشرية، وهكذا فعل بيليه، غيّر ثقافة العالم تجاه كرة القدم ذاتها، وجعلها مصدرًا للإلهام، حتى بعد اعتزاله الكرة في العام 1977، ظل سفيرا للأمم المتحدة وقام بأعمال خيرية كثيرة وبقي محافظًا على صورته الناصعة حتى آخر يومًا في حياته، وهذه القيمة الحقيقية لبيليه، لاعب كرة رائع، وإنسان رائع تحدى كل ظروف الحياة ليفرض بموهبته أسطورته الخيالية على الجميع!