العدد 5188
الأربعاء 28 ديسمبر 2022
banner
بيت لحم... رسالة سلام ومحبة
الأربعاء 28 ديسمبر 2022

في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الجاري، أضيئت شجرة الميلاد في ساحة كنيسة المهد، في مدينة بيت لحم، لتحمل للعالم برمته أضواء ووعود السلام والمحبة، وتبعث روح الميلاد التي تجمع شعوب البشر، على مفاهيم الخير والعدالة والسعادة، وهذه هي قوة بيت لحم الحقيقية، والتي تفيض طمأنينة وأمنا وأمانا استمدتها من مولود مغارتها التاريخية قبل ألفي سنة.
تحتفل مدينة بيت لحم هذا العام بمرور 150 عاما على تأسيسها بشكل رسمي، و10 أعوام على إدراج كنيستها على لائحة التراث العالمي، غير أن هذه التواريخ، لا تعني حداثة عهد هذه المدينة، والتي تعود إلى ما قبل الميلاد.
تقع بيت لحم في الجزء الجنوبي من سلسلة جبال القدس، وتبعد عن مدينة القدس عشرة كيلومترات، وترتفع فوق سطح البحر حوالي 778 م. "بيت لحم" اسم عبري، معناه "بيت الخبز"، وهناك من يرى أن اللفظة كانت في الأصل، "بيت لخمر" الإله الأشوري. ومن المرويات عن تلك المدينة أن النبي "يعقوب"، مر بها وهو في طريقه من بلاد ما بين النهرين إلى الخليل، وهناك ماتت زوجته "راحيل"، وهي تلد أصغر أبنائه "بنيامين" في مكان قريب منها، ودفنت في المكان المعروف اليوم بقبر راحيل، وقد دخلت مدينة بيت لحم التاريخ، ففيها ولد الملك داوود، كما اتخذها ابنه سليمان مقرا صيفيا له.
تذكر بيت لحم في العهد الجديد، وتحديدا إنجيل متى، بأنها المكان الذي ولد فيه السيد المسيح ومن هنا تبدأ قصة أخرى في تاريخ هذه المدينة الصغيرة، والتي ستصبح من أهم المعالم المسيحية في التاريخ، حيث كنيسة المهد، ذلك المكان الذي يجمع المؤرخون والباحثون التاريخيون على أنه موقع الميلاد، تعود قصة بناء كنيسة المهد إلى زمن الامبراطور الروماني الوثني هادريان (67 - 138) م، والذي بنى معبدا وثنيا للإله الروماني "أدونيس"، فوق المغارة التي ولد فيها المسيح، وقد كان ذلك في القرن الثاني الميلادي، بهدف القضاء على عادة الحج التي بدأها المسيحيون الأوائل للمكان، غير أن النتيجة جاءت عكسية، إذ عوضا عن إسدال ستار النسيان على قصة الميلاد في هذه المغارة، ترسخ الاعتقاد عند المسيحيين لهذا المكان كموضع مقدس.
تاليا وحين أعلن الامبراطور قسطنطين مرسوم ميلان سنة 313م.
دخلت مدينة بيت لحم تحت الحكم الإسلامي بعد الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام، وزار الخليفة عمر بن الخطاب بيت لحم، وصلى في كنيسة المهد، لكنه كتب سجلا للبطريرك صفرنيوس، بأن لا يصلي في الموضع من المسلمين إلا رجلا بعد رجل، ولا يجمع فيها صلاة، ولا يؤذن فيها أو يغير فيها شيء. وعلى مدار زمن طويل، عاش أبناء الديانتين المسيحية والإسلامية معا في بيت لحم في وئام، وقد كان أكثر العهود ازدهارا بالنسبة لبيت لحم، هو عهد الخليفة العباسي "هارون الرشيد"، (787 - 809)، وعهد الدولة الفاطمية، (952 - 1094)، حيث راجت التجارة ورممت الكنائس وأماكن العبادة.
ولعله من المثير تاريخيا أن الخلافات حول إدارة أمور الكنيسة وملكيتها، قد أدت إلى حروب عدة بين القوى الدولية المختلفة، ومن هذه الحروب، حرب القرم بين روسيا القيصرية وفرنسا عام 1852.
ومن بيت لحم، وعشية الكريسماس، تنطلق الصيحة التقليدية منذ ألفي عام.. "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، والمسرة للناس".

كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية