العدد 5174
الأربعاء 14 ديسمبر 2022
banner
صينيون وعرب.. طريق العالم الجديد
الأربعاء 14 ديسمبر 2022

منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، قبل نحو ثلاثة عقود، ارتفعت في الأجواء الدولية، صيحة تتحدث عن النظام العالمي الجديد الذي لم يكن في حقيقة الأمر سوى نظام القطب الأميركي الواحد. غير أن هذا الطرح، لم يقدر له أن يدوم لأكثر من عقدين، فقد توقف المنظر السياسي الأميركي الشهير، ريتشارد هاس، عام 2008، وعبر مجلة الفورين بوليسي الشهيرة، أمام اللحظة الكونية، مشيرا إلى أن العالم سيشهد عما قريب، تعددية قطبية. هل امتلك هاس وقتها أعين زرقاء اليمامة، لكي يستشرف المستقبل؟
أغلب الظن أن هذه لم تكن رؤية تخص ريتشارد هاس بشخصه، إنما كانت حصادا لأحد أهم مراكز التفكير الأميركية، بل قلب كل تلك المؤسسات، ونعني به، مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، والذي تأسس عام 1921، أي بعد الحرب العالمية الأولى بعامين، ليكون عقل أميركا المفكر.
ما جرى الأسبوع الماضي في الرياض، من لقاء صيني – عربي، يؤكد حتمية طريق العالم الجديد، وليس طريق الحرير الصيني القادم من رحم التاريخ فحسب. يمكن القطع بأن اللقاءات العربية الصينية الأخيرة، تشي ومن دون أدنى شك، بتاريخ عالمي جديد مثير، وربما سيكون حظ العرب في التعاطي مع الطروحات والشروحات الآسيوية، أفضل حظا من الأوروبية الآسيوية.. كيف ذلك؟ المعروف أن الرئيس الفرنسي المؤسس للجمهورية الخامسة، شارل ديغول، كان أول من تحدث عما أسماه الامتداد الأوراسي، أي التعاون الممتد بين القارة الأوروبية، ونظيرتها الآسيوية، من عند المحيط الأطلسي غربا وصولا إلى جبال الأورال شرقا، غير أنه ليس سرا القول إن الولايات المتحدة الأميركية، أفسدت هذا الحلم، فقد نجحت في أن تضع العصا بين دواليب أوروبا وآسيا، من خلال دروب عديدة، وكان آخرها وأخطرها الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي جيرت الأوروبيين لصالح الأوكران، وخلقت عداوات مع الروس، فيما وجدت موسكو تضافرا وتعاونا مع بكين، ليتخلق في الرحم العالمي، قطب مؤكد جديد، مختلف عما سبق في زمن الحرب الباردة، حيث كانت حزازات الصدور قائمة بين الروس والصينيين. 
جاءت القمم العربية الصينية الأخيرة، وكأنها نقطة مفصلية جديدة في تاريخ الأمم والشعوب، وبداية بلورة اتجاهات قطبية مختلفة حول الكرة الأرضية، ذلك أنه فيما يتعثر التحالف الأوروبي – الأميركي التقليدي، حيث الناتو يعاني ما بين شرق وغرب الأطلسي، وفيما دول أميركا اللاتينية، تبتعد جغرافيا وديموغرافيا، عن العم سام، نشاهد تفاعلا آسيويا، خليجيا وشرق أوسطيا.
رحلة الرئيس الصيني شين جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية، وضعت في حقيقة الحال سقفا جديدا للطموحات العربية الصينية، وبهدف يغيب عن أعين الجميع، حيث الاتحاد والتقدم، التنافح والتلاقح، وإنشاء آليات للتعاون في إطار أممي قافز على أزمنة القطبية الثنائية التي حكمت العالم طويلا. 
 الرئيس الصيني في كلماته المثيرة، ألمح إلى أنه في مقدمة رؤى التعاون الجديد المنشود، الدعوة إلى عدم التدخل في شؤون الغير. 
هذه الجزئية تحديدا، تحمل في باطنها الكثير من الرسائل، سيما في زمن تسعى فيه بعض الدول، إلى التعاطي مع بقية العالم من منطلق الفوقية الإمبريالية، وبما يجافي وينافي فكر الدولة الويستفالية المستقلة، ذات السيادة التي لابد لها أن تحترم في الحال والاستقبال. 
طريق العالم الجديد للعرب والصينيين، غير موجه للانتقاص من التحالفات العربية مع بقية الأطياف والأطراف الدولية، إنما هي فلسفة ضبط المسافات مع بقية عوالم وعواصم المعمورة.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .