العدد 5153
الأربعاء 23 نوفمبر 2022
banner
واشنطن - بكين... والشرق الأوسط
الأربعاء 23 نوفمبر 2022

هل يمكن لقوة دولية ما، حتى إن كانت قطبية، أن تحدد لبقية دول العالم، خطوط طول وعرض سياساتها وتوجهاتها، لاسيما نحو قوى أخرى مغايرة، تسعى لتحدي وضعها المنفرد بمقدرات العالم؟ علامة استفهام مثيرة للتأمل في أوقاتنا الراهنة، سيما في ضوء التشارع والتنازع الحادث بين واشنطن وبكين، بوصفهما القطب القائم والقطب القادم.
في هذا الصدد يبقى من الطبيعي جدا، أن تثور معارك خلفية على النفوذ العالمي، وهناك من التحليلات السياسية والاستراتيجية الدولية ما يتناول الفخ التاريخي المعروف باسم، فخ ثيوسيديديس، والذي يعود إلى الفترة التي تصاعدت فيها حدة المنافسة بين أثينا وأسبرطة، وأدت إلى الحرب بينهما، وكأن المقصود هنا، هو القول بحتمية الصراع بين واشنطن وبكين، وهو أمر وارد جدا، خصوصا في ضوء أزمة تايوان من ناحية، وبحر الصين الجنوبي من ناحية أخرى، وهذا حديث آخر.
يتساءل القارئ، وله في تساؤله ألف حق وحق، ما الذي جاء بالشرق الأوسط في الوسط من بكين وواشنطن؟ المؤكد أن التصريحات التي صدرت عن نائب وزير الدفاع الأميركي، كولن كال، الأيام الماضية، والتي حذر فيها من أطلق عليهم الشركاء في الشرق الأوسط، من مغبة العلاقات مع الصين، هي مرد ومرجع هذه السطور. ما هي جذور القصة قبل الحديث عن فروعها؟ باختصار غير مخل، تبدو البشرية أمام رؤية كونية، تتبادل فيها القوى الدولية الأدوار، والمراكز في سلم القطبية الدولية، فمن زمن الفرس والروم، مرورا بالإنجليز والفرنسيين، ثم الأميركيين والسوفييت، وصولا إلى الصينيين، تبدو المعادلة الكونية واحدة... لا قانون ثابت سوى قانون التغير.
في هذا السياق، تعتبر واشنطن القوة القطبية التي آلت إليها مقدرات الأمور الدولية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينات القرن المنصرم، أن كل مربع نفوذ تملأه بكين، هو اختصام من نفوذها في الحال، ومؤشر سيء لفقدانها وضعيتها المنفردة بالهيمنة على العالم في الاستقبال. 
كولن كال، يكشف عن مخاوف الإدارة الأميركية بشأن النفوذ الصيني المتزايد في الخليج العربي والشرق الأوسط.. هل يعني ذلك أن واشنطن تود أن تمنع دول المنطقة من إقامة علاقات متميزة مع الصين؟ يبدو أن مخاوف كال، تتجاوز فكرة العلاقات الدبلوماسية وحتى الاقتصادية، وتتمحور المخاوف حول التعاون الأمني، ذاك الذي يمكن أن يكون مهددا للحضور الأميركي العسكري في المنطقة، بعد نحو ثمانية عقود، من تجلي النفوذ الأميركي، في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
على أن ما لم يقله السيد كال، ويدخل بلا شك ضمن سياق المخاوف الأميركية القوية، هو العلاقات بين تل أبيب وبكين، والتي باتت تمثل إزعاجا كبيرا جدا للأميركيين، سيما في ضوء قراءات استراتيجية إسرائيلية، ترى أن قلب العالم في المئة عام القادمة سيكون آسيويا، وليس غربيا، وأن الولايات المتحدة الأميركية، مهددة بالتراجع من موقعها وموضعها القطبي، وعليه تسارع إسرائيل إلى البحث عن ضمانات عولمية أخرى.
تصريحات كال التي جاءت خلال فعالية نظمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في حوار المنامة بالبحرين، تستدعي يقظة ووعيا عاليين، ذلك أن المرء يخشى أنه وعند نقطة صدام بعينها بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، تصبح الخيارات ضيقة، ما يهدد المصالح الوطنية.
أفضل طريق لضمان السيادة الوطنية، ومن غير أية مهددات خارجية، هو ضبط المسافات والمساقات، بين دول المنطقة والقطبين القائم والقادم، حفاظا على الأمن القومي العربي والشرق أوسطي.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .