العدد 5128
السبت 29 أكتوبر 2022
banner
رشيد الحلواني
رشيد الحلواني
في “الشراكة” قوة
السبت 29 أكتوبر 2022

“قط خلص ولا جمل شرك” مقولة مصرية تحذّر من الشراكة في العمل عمومًا، والمقولة هذه لها ما يماثلها في الشام، حيث يقولون “الشراكة خربة” بينما يقول أهلنا في المغرب العربي “قدر الشراكة ما تفوح” في حين تدرج في لبنان عبارة “الشراكة ما فيها بركة”.
هذا ما توارثناه جيلًا بعد جيل عن أجدادنا ونقلناه من دون إسناد ولا متن، حتى صارت تلك المقولات محفوظة في تركيبتنا الوراثية، ولكثرة ما تم تحذيرنا من الدخول في شراكة، صار مجرد ذكر الكلمة يقض مضاجعنا لو فكرنا مجرد تفكير بمشروع تجاري نشارك به أحدًا، بل صرنا نستعوذ بالله منها وكأنها شيطان رجيم.
 واللافت أن أحدنا لو دخل في شراكة، فلا بد وأن يسمع جملةً من التحذيرات لا محالة، ستنهال عليه من كل حدب وصوب، وكأنها لعنة ستحل عليه إلى يوم الدين.
 لكن ذلك لا ينفي أن نجاحات عديدة تحققت من خلال الشراكات، ما يؤكد أن تلك المقولات ليست سوى خرافات وخزعبلات لا أساس لها علميًّا، فلماذا نسمح إذن بأن نتفرّق في أمور كثيرة، فأين نحن من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (يد الله مع الجماعة) فقوتنا تنبع من اتحادنا وليس بتفرقنا.
 “لا يوجد في الواقع شيء اسمه رجل عصامي كليًّا نحن جميعًا مبنيون من آلاف الأشخاص الآخرين، كل شخص أحسن إلينا يومًا ما أو شجّعنا بكلمة طيبة يصبح جزءًا من شخصيتنا وتفكيرنا كما يصبح جزءًا من نجاحنا” جورج آدمز.
لقد أيقن الغرب القوة الهائلة للشراكة، كما أصبحت التكتلات بين الشركات العملاقة سمة رئيسية في الاقتصاد العالمي اليوم، فها قد تشارك لاري بايج وسيرجى برين في تأسيس شركة غوغل وتشارك ستيف جوبز وستيف وزنياك في تأسيس شركة أبل، أيضًا تشارك بيل غيتس وبول ألين في تأسيس شركة مايكروسوفت.
 فلو توحّدنا كرجال أعمال في شراكة أحد المشروعات، أظن أننا سننشئ شركة ضخمة تناطح السحاب.
فكما هو معلوم، فإن الشراكة تبنى على مفاهيم واضحة، وبالتالي فإن لكل شريك ما يميزه، فأحدهم يدخل برأس ماله، وآخر بأفكاره وخططه، بينما يتميز مشارك آخر بمهارته وخبرته.
“يمكنك القيام بما لا أستطيع القيام به، يمكنني القيام بما لا تستطيع أنت القيام به، ويمكننا معًا تحقيق أشياء عظيمة” الأم تريزا.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن نجاح الشراكة يتطلب قوانين وضوابط كثيرة، أذكر منها على عجال:
قل نحن وليس أنا “أنا أنا تعني الموت للمؤسسات وإذا ما طغى التكبر وغرقت فيه لن تستطيع الإبصار بوضوح والأسوأ هو أنك لا تعي الأمر فقد صرت أعمى البصيرة” إريك باركر.
القيادة غير المدروسة من أخطر القواعد التي قد تتسبب بتفكك الشراكة، وهي سبب رئيسي في فشل عدد مهول من المشاريع، فالقيادة يجب أن تكون بيد شخص واحد ليس أكثر، فالسفينة التي سيقودها ربانان اثنان سوف تغرق، فمن قانون وحدة القيادة ينبثق قانون الشورى، “شاور”! في معركة الخندق طلب النبي صلى الله عليه وسلم مشورة أصحابه، وهي رسالة لنا لنتعلم ما معنى القيادة! النبي قدوة علمنا بأفعاله وأقواله ومن جملتها مبدأ الشورى بالقيادة.
كما أن هناك قانونًا آخر كي تنجح الشراكة وهو بناء دستور داخلي للشركة يحكم علاقة الشركاء فيما بينهم، يتعلق غالبًا بصلاحياتهم ومهامهم وغيرها من الأمور المطلوبة، وأخيرًا وليس آخر علينا الدعاء بكثرة اللهم آلف بين القلوب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .