نبقى في إطار منتدى البحرين للحوار، وحديث الشرق والغرب من أجل تعايش إنساني، والذي يأتي في توقيت مهم وفاعل، لاسيما في ظل حالة الاضطراب التي تعم عالمنا المعاصر، والصراعات التي طفت على السطح خلال العقدين الأخيرين، خصوصا بعد أن خيل للبشرية أن العولمة جعلت من الكرة الأرضية قرية صغيرة، يتعايش أصحابها معا، فإذ بالقوميات تعاود الصعود، والشوفينيات تصدع العالم، فيما التيارات اليمينية تعاود الظهور بقوة، بل تستلب إرادة الناخبين في العديد من الدول حول العالم، وكما رأينا مؤخرا في نتائج الانتخابات الإيطالية.
يأتي منتدى البحرين ليذكر العالم بأنه ليس الشرق والغرب منفصلين من هما بحاجة إلى تعميق التعايش الإنساني، بل في داخل الشرق نفسه تناحر يجري بقوة مؤخرا، كما الحال بين روسيا وأوكرانيا أبناء العرق الواحد. ومن أقصى الشرق الآسيوي إلى آخر العالم غربا، يتوجس الجميع خيفة من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، والتي يخشى معها أن تسيل الدماء وتتصاعد موجات العنف، بسب التناحر ما بعد السياسي. هل يعاني العالم المعاصر من موجات كراهية، نظيرة لما عرفته البشرية في النصف الأول من القرن العشرين؟
المقاربة هنا غير موضوعية، لسبب بسيط، وهو أن تبعات الكراهية التي نشأت وارتقت في تلك الأوقات، تسببت في حربين عالميتين تقليديتين، استمرتا لبضعة أعوام، وراح ضحيتهما قرابة الثمانين مليون نسمة، أما هذه المرة، فلو حدثت لا قدر الله مواجهة عالمية، فإنها لن تطول إلا لبضع ساعات، غير أن ضحاياها سيتجاوزون مئات الملايين جراء استخدام القنابل النووية الاستراتيجية التي ستحملها حكما الصواريخ الباليستية عابرة القارات، لا سيما الأنواع الجهنمية المستحدثة منها.
يدرك المرء أهمية فكرة التعايش الإنساني التي تطرح خلال منتدى البحرين، وأهمية الحوار بين الأمم والشعوب، لتقريب المسافات، وتجسير الفجوات عرقية كانت أو دينية. يبدو المنتدى هذه المرة، لا سيما في حضور بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر، قيمة مضافة وخلاقة تزخم العالم المتقدم تكنولوجيا وعلميا، لكنه المتراجع إنسانيا، خصوصا بعدما سادت قيم السوق، وجرى تسليع الإنسان، وتراجعت كذلك القيم الروحية والشعور بالمسؤولية، ما أسهم في نشر شعور عام بالإحباط والعزلة واليأس.
تحتاج البشرية في حاضرات أيامنا إلى تعميق الشعور بالانتماء إلى الإنسانية المتعايشة معا، ذلك الشعور الذي أخذ يضعف، وبات حلم بناء العدل والسلام معا، أقرب ما يكون إلى يوتوبيا من عصور أخرى على حد وصف البابا فرنسيس، في رسالته العامة "كلنا اخوة".
ما نراه من حولنا، وربما من تبعات نظريات آيديولوجية وليبرالية منفلتة، قادنا إلى هيمنة لامبالاة باردة وشاملة، ابنة سراب عميق يختبئ وراء خداع الوهم، وهم اعتقادنا أنه بإمكاننا أن نكون جبابرة وننسى أننا جميعا في نفس القارب.
في منتدى البحرين فرصة واسعة لأن نلخص فعل التقارب والتعبير، والإصغاء، والنظر، ومعرفة بعضنا البعض، ومحاولة فهم بعضنا البعض، والبحث عن نقاط اتصال بفعل، التعايش والحوار والجوار، بهدف التلاقي ودعم الواحد للآخر.
كيف يمكن أن يكون شكل العالم من دون تعايش مشترك؟
المؤكد أن زمن الجزر المنعزلة قد ولى، لهذا تبدو صورة العالم المختل في محاولة قطع الجسور وإقامة الجدران، صيغة غير صالحة لزماننا والأزمنة التالية عليه.
حين يرى العالم في منتدى البحرين أكبر قامتين روحيتين للعالمين المسيحي والإسلامي، فإن الصورة في حد ذاتها تكفي لإعطاء نموذج إنساني للقفز على الماضي، وبناء الحاضر عبر المشترك الإنساني الواحد وهذا يكفي.