العدد 5104
الأربعاء 05 أكتوبر 2022
banner
فرنسيس في البحرين.. المعنى والمبنى
الأربعاء 05 أكتوبر 2022

هل أضحى قدر الشرق المقدور في زمن منظور، أن يعيد للعالم سلامه، وأن ينشر ضياءه، لاسيما في ظل المواجهات العرقية والدينية، الآيديولوجية والعسكرية، المالية والاقتصادية، تلك التي باتت تقسم البشر إلى أحزاب متناحرة، وكأن الطريق محتوم إلى المواجهة العالمية. 
مرة جديدة يرتفع صوت مملكة البحرين الساعية لتكون منارة للتعايش الإنساني، لا للعرب والشرق أوسطيين، ولا للمسلمين والخليجيين، بل للبشرية برمتها، في هذه الأوقات الحرجة عالميا. 
إعلان البحرين عقد منتدى "الشرق والغرب من أجل تعايش إنساني"، وفي الفترة من 3 إلى 6 نوفمبر المقبل، خطوة تؤكد سعي البحرين الدائم من أجل مستقبل أكثر إنسانية، فالبحرين هي التي صدرت للعالم قبل بضعة أعوام، وبالتحديد في سبتمبر 2017، الإعلان الذي يقوم على عدد من المبادئ التي تعد ركائز التسامح الديني والتعايش السلمي للإنسان، ورسمت بذلك أحد أهم مناهج السلام العالمية.
جاء الإعلان عن مشاركة كل من بابا الفاتيكان فرنسيس، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، لتكتمل الصورة التي تنادي بها البحرين، تلك الخاصة بأهمية الأديان في سياق ترقية وتقدم الإنسان، وفي بلورة حالة من الوفاق، والابتعاد عن مسارات الافتراق، وقد أبديا سويا منذ زيارة دولة الإمارات العربية الشقيقة في 2019، رغبة في سيادة وريادة نموذج الأخوة الإنسانية، علها تجنب الخليقة نيران الكراهية.
أنفع وأرفع ما تؤمن به مملكة البحرين الشقيقة، إيمانها الراسخ بأهمية وجود معتقد يؤمن به الفرد، بغض النظر عن شكله ومنطلقاته، انطلاقا من أن الإيمان هو أمل الإنسانية، والإطار الذي يحدد أسس الحياة وأخلاقيات التعايش بين الشعوب.
يأتي فرنسيس زائرا إلى أرض البحرين، حيث للتسامح والتعايش قصة طويلة، وحيث للمقدسات كرامة وصيانة، في ظل رؤية تسامحية وتصالحية يقودها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
ولعل تاريخ حضارة الفاتيكان، يذكر لنا سير الكثير من الأحبار الرومانيين الذين اهتموا بالشرق الأوسط، لاسيما منذ بدايات القرن العشرين، وظهور القضية الفلسطينية، غير أن فرنسيس، بدا وكأن له قصة مغايرة، فيها الكثير من الاهتمام الفائق بأحوال الشرق وساكنيه، وقد اقترب كثيرا جدا روحيا ومعنويا من العالمين العربي والإسلامي بنوع خاص. 
يعن لنا أن نذكر القارئ الكريم، بأن تلك العلاقة قد وجدت لها جذورا عميقة بدءا مما يعرف باسم "المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني"، والذي عقد في العاصمة الإيطالية روما بدءا من العام 1962 في حبرية البابا يوحنا الثالث والعشرين، واختتم في العام 1965 في عهد البابا بولس السادس، ولا ينسى أحد أهم وثيقة، شرعت العلاقات مع العالمي العربي والإسلامي، المعروفة باسم NOSTRA AETATE أي "في حاضرات أيامنا"، وقد جاءت بمثابة جسر بين الشرق والغرب، بين المسيحية والإسلام. 
تأتي زيارة فرنسيس للبحرين، تلبية لدعوة جلالة الملك، وتقديرا لدور المملكة الريادي في المنطقة، حيث المحبة والتسامح، والحرية واحترام الآخر، وقد باتت البحرين واحة أمن وأمان للجميع، ومكانا للتلاقي والحوار الخلاق. 
هنا يلزم أن نشير إلى أن علاقة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بالعالم الإسلامي واليهودي، ومنذ الفاتيكاني الثاني، تتمحور حول صون الإيمان، ورعاية السلام، وتثبيت العدالة، والقيام بدور المرشد الخلقي في مسائل العدالة الاجتماعية، ومحاربة الجوع، ومجابهة الحروب والتسلح. 
لا يمتلك الفاتيكان فرقا عسكرية، بل نفوذا أخلاقيا وقيميا يجعل منه لاعبا عبر أممي.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية