هل العالم في أزمة حقيقية ومصير مجهول لا يعلمه أحد إلا الله؟ في الغالب الأعم، ذلك كذلك، لاسيما بعد قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إعلان التعبئة الجزئية للقوات المسلحة لبلاده.
قرار الرئيس بوتين، لم يكن ليحدث لولا الحرب الأوكرانية، والتي تبدو عند مفارق طرق مخيفة، ومن غير مقدرة على حسم أي منها. المشهد باختصار يبدأ من عند قصور في تنفيذ الجيش الروسي عملية واسعة ضد أوكرانيا، من غير إعلان حرب كبرى، وفي الجانب الآخر، تدخل غربي واسع النطاق، من خلال تزويد الأوكرانيين بأسلحة متقدمة من جهة، وهناك من يقطع بأن جنرالات من الناتو، قد شاركوا بدورهم في مسار العمليات العسكرية الأخيرة، والتي أدت إلى تحرير مساحات واسعة من التي احتلتها القوات الروسية.
من أخطأ في تقدير حساباته، قيصر روسيا أم قادة الناتو؟ يمكن أن يكون بوتين قد سقط بالفعل في فخ نصبه له الناتو، غير أنه وفي كل الأحوال فخ مميت لكل الأطراف، إذ لا رابح ولا خاسر حال تحول المشهد إلى قارعة نووية. السؤال المطروح الآن هل ستقود الأزمة الأوكرانية إلى سيناريو حاول العالم تجنبه طويلا، أي سيناريو المواجهة النووية التي لا تبقي ولا تذر؟
باختصار غير مخل، يبدو المشهد كارثيا، خصوصا في ظل إحساس الرئيس الروسي بمهانة شديدة مما جرى من دعم أوروبي وأميركي لأوكرانيا، لهذا فإن عجلة الحرب الروسية، غالبا ما ستدور بقوة لم تعهدها العمليات الحربية منذ اندلاع الأزمة في فبراير الماضي. في المقابل، لن يتم السماح بالنصر عسكريا لموسكو، انطلاقا من صراع إرادات، وتصادم قوى قطبية على الأراضي الأوكرانية، الأمر الذي يعني تكثيف تسليح الأوكرانيين بالمزيد من الأسلحة الأميركية الذكية، والقادرة على إيقاع المزيد من الخسائر في القوات الروسية. هنا لن يكون أمام روسيا – بوتين، غير اللجوء إلى أسلحة اللحظات الأخيرة، والتي تبدأ من عند الأسلحة النووية التكتيكية، محدودة الحجم والفاعلية، وتمضي إلى جهة التلويح ثم استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية. هل يعني ذلك أن اندلاع الحرب العالمية الثالثة بات مرهونا بالصراع في أوكرانيا؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك في واقع الأمر، وعلى غير المصدق العودة لسماع خطاب بوتين الأخير، وفيه إشارات واضحة على أن بلاده لن تقبل ما أسماه المؤامرة الغربية لتفكيك روسيا، بالضبط كما حدث مع الاتحاد السوفييتي سابقا.
من هنا يمكن القطع بأن روسيا السلافية، لن تقبل مهانة جديدة، وبوتين بنوع خاص، مشهور بتصريحاته التي اعتبر فيها أن أكبر خطأ يقارب الخطيئة جرى في القرن الماضي، كان تفخيخ الاتحاد السوفييتي على النحو الذي تابعه العالم.
ما يعجل ومن أسف شديد بسيناريو الصدام، سعي روسيا السريع لتغيير وجه المعركة على الأراضي الأوكرانية، حتى لو جرى استخدام سريع لأسلحة نووية في صورها المحدودة، وفي المقابل هناك من يتكلم عن نوايا الغرب القيام بهجوم شامل يسعى كذلك لتحرير شبه جزيرة القرم من السيادة الروسية، مهما كلف الهجوم.
ليس سرا أن هناك الكثير من الدوائر الغربية، تراهن، بل ربما تسعى وراء تحريك الغضب الروسي الشعبي في الداخل بهدف الإطاحة ببوتين، ومن غير أن يتكلف الناتو إطلاق رصاصة واحدة على القوات الروسية.
هل هذا سيناريو وارد؟
الإشكالية الحقيقية هي أن هناك من يؤمن ببوتين وفكره، ما يعني أن المعركة قد تستمر طويلا، إن لم تنته بالموت المحتوم لملايين البشر.