العدد 5087
الأحد 18 سبتمبر 2022
banner
متى ستأكل البحرين ممّا تزرع؟
الأحد 18 سبتمبر 2022

سؤال مشروع طرحه، في كل مرة تواجه فيها المملكة إشكالات في سلاسل التوريد أو تقلبات استقرار إمداد الغذاء ووفرته، متى ستأكل البحرين مما تزرع؟ فلا تزال تعتمد في تبعيتها الغذائية على الاستيراد بنسبة تصل إلى أكثر من 90 %، ان لم تكن 100 % لغالبية السلع الأساسية.

من اللحوم الحمراء والبيضاء، إلى الفواكه والخضروات ومشتقات الحليب وحتى أبسط المنتجات كالمكسرات وزيوت الطهي، سمّها ما شئت، كلها صنعت خارج البحرين تزيّن أرفف المتاجر وبسطات الأسواق المركزية بألوان مختلف أعلام دول العالم، دون أن يكون هنالك منتج بحريني قادر على المنافسة. تصنيف المملكة ضمن أفضل 50 دولة في العالم في ضمان الأمن الغذائي بالمؤشرات العالمية لا يعني أنها تركب قارب النجاة من تقلبات إمدادات الغذاء العالمية.

ثمة مخاطر لا حصر لها من استمرار المملكة في انتهاج سياسة الاستيراد المطلق لكافة احتياجاتها الغذائية، لعل أبرزها الاضطرابات البيئية والمناخية والاقتصادية وانتشار الأوبئة، كما هو الحال طبعاً مع أزمة جائحة (كوفيد-19) وتبعاتها طوال عامين على العرض والطلب العالمي على الأغذية، المشكلات المتصلة بالسياسات الاستثمارية والتجارية كما يحصل بين الفينة والأخرى في زيادة أسعار منتجات الشركات السعودية، مما يوقع المستهلك البحريني تحت رحمة “المراعي” و”ندى” و”نادك” في تكبد تكلفة الاستيراد.

لا ننسى أيضا الاضطرابات السياسية وما لها من وقع ثقيل الوطأة على وفرة الغذاء وقدرة الحصول عليه والذي نلمسه الآن من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية مع ارتفاع تكلفة استيراد مواد أساسية على راسها القمح بنسبة لا تقل عن 20 %، إلى درجة أن واردات البحرين من البيض لم تسلم من تداعيات الصراع العسكري الأوروبي. وهل يمكن الجزم بأن المخزونات الاستراتيجية لمدة 3 أو 6 أشهر للسلع الأساسية دائما ما تكون كافية في الأزمات السياسية أو الوبائية؟ 

الزيادة السكانية، واستمرار الهدر الغذائي، وقلة الأيدي العاملة في الزراعة تعتبر كذلك تحديات لم يتم لغاية الآن النظر في تأثيرها السلبي على مستقبل الأمن الغذائي في المملكة. ولا يمكن أن نجعل تحدي ندرة المياه وقلة هطول الأمطار والطقس الصيفي القاسي طوال السنة ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة واستحالة الزراعة التقليدية عائقاً أزلياً أمام جعل المملكة مكتفية ذاتيا لعدة سلع أساسية.

لقد أثبتت تجربة الاعتماد على استغلال أراضٍ زراعية في دول مجاورة عدم جدواها كما هو الحال بالتجربة الفاشلة لمشروع “خيرات البحرين” في السودان وإلغاء ترخيص 100 ألف فدان (400 كيلومتر مربع) في محلية الدبة بعد 8 سنوات كاملة من الإهمال دون أي نتيجة تذكر بحجة بُعدها عن كافة أساسيات البنية التحتية. يجب أن يدرك الجميع أن الأمن الغذائي يجب أن ينطلق من البحرين بأراضيها التي كانت يوما ما تلقّب بكل فخر بـ “بلد المليون نخلة”. 

مساهمة الإنتاج الزراعي وصيد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي لا تكاد تصل إلى 1 %، وهي نسبة على ما يبدو تخجل وزارة المالية والاقتصاد الوطني من ذكرها في التقارير الاقتصادية الفصلية والاكتفاء بذكر الأنشطة الاقتصادية ذات المعدلات الأكبر من الأداء والنمو. 

لكي يعود القطاع الزراعي إلى سابق عهده الميمون، ولكي يكون لدى المملكة ثروة حيوانية وسمكية خالصة، لابد من تفعيل التقنيات الحديثة للأمن الغذائي، كتقنية الزراعة من دون تربة Hydroponic باستخدام البيوت المحمية لإنتاج الخضروات والورقيات الأساسية مثل البطيخ والخيار والفاصولياء والطماطم وغيرها. وتطوير الاستزراع السمكي وتربية الأحياء المائية، وتهيئة أراض خاصة لتربية المواشي مع توافر كميات كافية للأعلاف ودعم المربين بالكهرباء والمياه وغيرها بدلاً من الاتكالية شبه الأبدية على المنتج الاسترالي أو الإفريقي او حتى الباكستاني.

الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي ستكون بلا أدنى شك السبيل لتحقيق ما تطمح إليه المملكة منذ فترة طويلة “اكتفاء ذاتي وطني”، ولكنها لن تكون كافية ما لم يكن هناك تكامل في الأدوار لزيادة التوعية بالحد من الهدر الغذائي الذي يبلغ 132 كيلوغراما للفرد سنويا، أي بمعدل 230 ألف طن سنويا بتكلفة 95 مليون دينار على مستوى المملكة. إضافة إلى دخول شركة ممتلكات البحرين القابضة كشريك فاعل في الاستثمار بمشاريع الأمن الغذائي كصندوق سيادي قادر على جعل الاكتفاء الذاتي الوطني من الغذاء أولوية قصوى وحلما قابلا للتحقق قريباً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية