رحل عن عالمنا قبل أيام المخرج المصري الكبير علي عبد الخالق عن عمر يناهز ال 78 عاما، (من مواليد 1944) وهو من جيل الشباب الذين برزوا بُعيد هزيمة 1967 وتبنوا المدرسة الواقعية، وبرحيله فلعل لم يتبق من هؤلاء المخرجين الكبار من جيله سوى بضعة أعداد قليلةمعدودة، وقد قفزت شهرته منذ فيلمه الروائي الأول "أغنية على الممر " والذي تضمن نقداً مبطناً لكبار المسؤولين عن الهزيمة، وأنصف فيه بطولات الجنود المصريين العاديين المغيبة في حرب 1967، والذين كانوا أشبه بالجنود الأبطال الشهداء المجهولين، الذين غُيبت بطولاتهم من صفحات التاريخ، وذهبت دماء بطولاتهم سدى في حرب غير متكافئة؛ جراء فساد القيادة العسكرية العليا، ناهيك عن التفوق الساحق والنوعي لأسلحة الجيش الأسرائيلي في تلك الحرب الفاجعة التي قصمت ظهور المصريين والعرب جميعاً. وكان المخرج عبد الخالق مدفوعاً بهذه المعالجة السينمائية جراء الجرح الذي شعر به وسائر المثقفين المصريين والعرب لسخرية الإعلام الغربي بالجيش المصري بُعيد الهزيمة ونعت جنوده البسطاء (ومعظمهم من أبناء الفلاحين) بالجبن والخوف في مواجهة الجيش الأسرائيلي! وحاز فيلمه على جوائز عديدة، ويُعد إلى جانب فيلم "العصفور"،للمخرح يوسف شاهين، أهم وأجمل فيلمين تناولا هزيمة يونيو 1967 سينمائياً من منظور واقعي نقدي.
ومن أفلامه التسجيلية المميزة " السويس مدينتي" والتي يتناول فيه صمود أهالي واحدة من مدن القناة على الخطوط الأمامية وقد تعرضت لدمار هائل في حرب 1967. وفي سني حربي الأستنزاف( 1968-1970) التي أراد منها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بمثابة بروڤة تحضيرية لحرب تحرير سيناء، وتجنيب أهالي مدن القناة من الإبادة التي ستلحق بهم جراء الضربات الأنتقامية المتوقعة، فقرر عبد الناصر تهجير أهالي مدن القناة الثلاث ( الأسماعيلية وبور سعيد والسويس) إلى داخل الوادي، لكن جزءاً كبيرا من أهالي السويس آثر الصمود والبقاء في المدينة. وتحت تأثير هزيمة 1967 اُسست "جماعة السينما الجديدة" التي ضمت مخرجنا الفقيد عبد الخالق ونخبة من المخرجين الوطنيين الشباب من أبناء جيله، مثل محمد راضي ورأفت الميهي وغيرهما. وإلى جانب "أغنية على الممر" فقد أخرج عبد الخالق ستة أفلام تناولت الصراع العربي الأسرائيلي والقضية الفلسطينية، من بينها مايسميه بالأفلام المخابراتية العسكرية، حتى أن الإعلام الأسرائيلي وصفه بأنه أكثر المخرجين العرب كراهيةً لإسرائيل، وكان رد فعله بأنه كان سعيداً بهذا الوصف. ولم يقتصر أخراجه على الأفلام السياسية إذ ثمة أفلام اجتماعية من أخراجه، منها على سبيل المثال لا الحصر: العار، جري الوحوش، البيضة والحجر. وهو من أكبر المخرجين المدافعين بشدة عن أن تتولى الدولة الأنتاج السينمائي بصفة رئيسية، وعدم تركه بالكامل للقطاع الخاص والذي يحمله مسؤولية هبوط مستوى السينما المصرية، ويستدل على ذلك بأن 40 فيلما من قائمة أفضل مائة فيلم مصري هي من انتاج القطاع العام. على أنه قرر الأعتزال في مطلع الألفيةتحت تأثير صدمة احباطية إثر فشل فيلمه "يوم الكرامة" جماهيرياً، رغم الآمال الكبيرة التي علقها على نجاحه، ومن ثم شعوره بالغربة تجاه "الجمهور السينمائي الجديد" على حد تعبيره، وأتجه بعدئذ إلى اخراج الأعمال الدرامية على الفيديو، رغم أعترافه بعدم تخصصه في هذا النوع من الافلام!
والحال فإنه برحيل المخرج السينمائي الكبير علي عبد الخالق خسرت السينما المصرية والعربية قامة فنية كبيرة من قامات الفن السابع النادرة التي لا تعوض.