تابعتُ الحلقة التربوية للدكتور إبراهيم الخليفي بعنوان “الوالدية الرقمية”، ذلك المصطلح الجديد الذي بدأ ينتشر في العديد من البحوث التربوية في الآونة الأخيرة، ويُقصد به تسليط الضوء على تحديات التربية في العصر الحديث؛ عصر التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية، ويشير إلى كيفية انخراط وإلمام الآباء بتنظيم وفهم علاقات الأبناء بالوسائط الرقمية.
المساحة التي احتلتها الأجهزة الرقمية في حياتنا، والتي باتت تشكل جزءًا مهمًّا من حياة أطفالنا وفلذات أكبادنا أصبحت تُؤرقنا كآباء ومربين، نحن كعاملين في مجال التربية نعي أهمية هذا العنوان، ووجوب تثقيف المجتمع والمربّين بالمقام الأول وعلى رأسهم الوالدين، فالمعلومات الرقمية أصبحت اليوم في متناول الجميع صغارا وكبارا، وهي العالم الذي يثق فيه أبناؤنا كمرجعية، ونعلم ما فيها من الغث والسمين.
اليوم هناك قمار إلكتروني، وكازينوهات ديجتال، تعمل على إغراء الأبناء بالكسب السريع لتلبية الحاجات الكمالية الخادعة، لذلك نرى أن هناك حملة شرسة لبلورة عقول الناشئة، وحثهم على امتلاك الكماليات لتصبح وكأنها أساسية لا غنى عنها ولا بديل، كما أن هذا العالم الافتراضي يساهم بشكل كبير في تربية الأبناء وصياغة فكرهم وتوجيه اهتماماتهم، بل إنه يجعل الأبناء يقيسون مدى قبولهم اجتماعيا؛ فقط من خلال ما يصلهم من مرات الإعجاب على ما ينشرونه! أو من خلال عدد مرات التعليقات التي يكتبها المتابعون. وهنا تصبح لدينا مشكلة حقيقية في أن بناء الشخصية وإكساب الثقة الذاتية لا يعتمد على كيان فرد في المجتمع، بل إن المجتمع الرقمي في كثير من الأحيان هو الذي يحدد ذلك.
لقد أصبحت مسؤوليات التنشئة الوالدية متشعبة وأكثر تعقيدًا، وتحتاج إلى متابعة مستمرة، وتثقيف بكل ما يدور في العالم الرقمي، وتعزيز الرقابة الأسرية، والأهم من ذلك كيفية تعليم الأبناء الرقابة الذاتية، فهي أرقى أنواع الرقابة وأكثرها فائدة، إنها الوازع الحقيقي أمام مغريات العالم الرقمي ودهاليزه التي يستحيل على الآباء مهما كان مستوى وعيهم وحرصهم؛ يستحيل عليهم متابعتها وضبطها، ثم إنها صمام الأمان الذي يمنع تسرب مبادئنا وثقافتنا الأصيلة. وإذا أدركنا أن الرقابة الذاتية لا تكتسب في لحظات، بل تُغرس في الأبناء منذ طفولتهم، وتُبنى في دواخلهم، فإننا سندرك ضرورة أن نولي الاهتمام والرعاية لهذا الغرس لينمو، ولهذا البناء ليكون شامخًا متينًا، ولن يكون هذا إلا بتطوير الحوار الأسري، وتقبل وجهات النظر، وفسح المجال للأبناء للسؤال والنقاش حول مختلف القضايا، وأبرزها تلك القضايا التي يطلعون عليها عبر مواقع التواصل.