العدد 5027
الأربعاء 20 يوليو 2022
banner
عن أميركا وشرق أوسط جديد
الأربعاء 20 يوليو 2022

بعد القمة العربية الأميركية الناجحة التي جرت في جدة الأيام القليلة الماضية، يعن للمراقب للمشهد السياسي في الخليج العربي والشرق الأوسط أن يتساءل: ترى هل هي بداية لحقبة جديدة مغايرة في العلاقات بين دول المنطقة والولايات المتحدة الأميركية، والتي لا تزال مالئة الدنيا وشاغلة الناس، حتى وإن تراجعت أوزانها الاستراتيجية؟
المؤكد أن الحضور الأميركي في الشرق الأوسط متجذر تاريخيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من أن التواصل مع واشنطن لم ينقطع يوما، إلا أنه لم يكن بالمطلق صفاء زلالا، سخاء رخاء، فقد شهد الأمر خلافات جانبية وهامشية تارة، ورئيسية تارة أخرى كما في وقت حرب الأيام الستة، غير أنها مضت في كل الأحوال، وساهمت دول الخليج في واقع الحال في تعزيز أمن واستقرار لا الولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل حلف الناتو برمته طوال أكثر من أربعة عقود، فقد شكلت سدا منيعا في وقف الزحف الشيوعي نحو آبار النفط، والحيلولة دون انتشار الفكر الإلحادي.
ليس سرا أن العلاقات العربية الأميركية شهدت في الآونة الأخيرة نوعا من الفتور، ومرد ذلك تغير التوجهات السياسية والآيديولوجية لساكن البيت الأبيض، فمن رئيس راغب في مد جسور التواصل، كما الحال مع الرئيس السابق دونالد ترامب، وراغب في تفعيل العلاقات بين الطرفين، إلى رئيس آخر بادر باتخاذ موقف مثير للتعجب كما الحال مع الرئيس بايدن، والذي استهل ولايته، بجفاء واضح. مهما يكن من أمر، فإن الزيارة الأخيرة للرئيس بايدن للشرق الأوسط تطرح علامة استفهام مهمة وهي: لماذا تغير الموقف الأميركي من دول المنطقة؟. 
المؤكد أن التعويل على قضية الحاجة الأميركية إلى مزيد من نفط المنطقة، رغم أهمية ومحورية القضية، تعويل مبتسر، فيما تبقى الأهداف الرئيسة للمشهد بحاجة إلى المزيد من البحث المعمق.
وباختصار غير مخل نقول، إن السياسات الأميركية، لا يصنعها الرئيس بمفرده، إنما تقوم على صناعتها طائفة من أدوات السياسة الأميركية، تبدأ من عند وزارة الخارجية، وتمضي عبر البنتاغون، مرورا بمجمع الاستخبارات، وصولا عند عتبات مجلس الأمن القومي، والذي عرف يوما بأنه اللجنة السرية التي تدير العالم.
هل أدرك هؤلاء الخطأ الفادح الذي ارتكبه الرئيس بايدن وكان يمكن له أن يمضي وراءه طويلا؟
ذلك كذلك بالفعل، والمثير هنا هو أن الخطأ الذي نحن بصدده لا يتوقف عند حدود الدول العربية فحسب، بل يصل إلى العلاقة الجوهرية بين واشنطن وتل أبيب.. كيف ذلك؟
تحتاج قصة أميركا وإسرائيل إلى مؤلفات خاصة قائمة بذاتها، لكن هذا لا يمنع الإشارة إلى أن واشنطن باتت تخشى من أن تمضي تل أبيب بعيدا عن حاضنتها التاريخية، وتذهب لجهة الصين، بل إن هناك مخاوف جذرية من أن تتحول إسرائيل إلى منطقة نفوذ صينية، وربما يفسر هذا فكرة الإعلان الأميركي الإسرائيلي الأخير، الذي عرف بإعلان القدس.
أما عن العالم العربي، وبجانب الكثير من العوامل تبقى جزئية الصراع الأممي على مربعات النفوذ قائمة وفاعلة في الحال قبل الاستقبال.
هنا حكما القول إن واشنطن أدركتها المخاوف من أن تفقد مربعات نفوذها التاريخية مرة وإلى عقود طوال جراء تنامي الحضور الروسي والصيني، وفيما تملك موسكو ترسانة عسكرية حديثة تضارع نظيرتها الأميركية، تحذو الثانية فوائض مالية ومبتكرات تكنولوجية، تختصم جزءا مهما من تفرد أميركا في هذا السياق.
قمة جدة تأكيد على أن العالم العربي استطاع أن يرسم صورته بذاته، وهي بداية طيبة لتعاون خلاق في قادم الأيام.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية