سمعت أحد الأصدقاء يقول لزميله الذي يقرض الشعر “انتوا المثقفين عليكم طلعات”، استوقفتني كلمة المثقفين بكل المبادئ الجمالية والنظرية ووددت رؤية الحقيقة الواضحة الصريحة وسألته.. ماذا تعني بالمثقفين؟ التفت إلي ورد بطاقة مخزونة.. “الذين يقرأون كثيرا”، قلت.. من يقرأ في نظرك هو المثقف ومن لا يقرأ ولا يفتح كتابا هو المتخلف بلا لون وطعم، تردد قليلا في الإجابة وكأن خناجر اللغات تطارده وقال.. نعم.
تعريف الأخ مفهوم الثقافة والمثقفين يذكرنا بمن كان يطلق على المثقفين النخبة الممتازة، كما يذهب إلى ذلك الشاعر الإنجليزي ت. س. إليوت، حتى أنه ليشجب الفكرة التي تقول إن الفقر والموت لا يقضيان على العبقريات، بدعوى أن هناك نخبة وصفوة مختارة هي التي تملك استعدادا خاصا لنشر الثقافة وتحريك المجتمع وتطويره، ولعل في كلمة الشاعر الألماني المعروف “جوته”: كم تدفن عبقريات تضيع بسبب الفقر”، لعل في هذا القول أبلغ رد على من يربط الثقافة بمفهوم النخبة أو الصفوة، ذلك أننا رأينا عباقرة وأفذاذا في شتى فروع المعرفة وحتى في السياسة والبطولات الحربية، ربما كانت نشأتهم متواضعة كما يقال، ومع هذا برزوا وفاقوا غيرهم في ميادين مختلفة وكانوا تعبيرا عن الحافز الحقيقي لتطوير المجتمع الإنساني وتقدمه العلمي والحضاري. هذا الحافز هو الجماهير الشعبية التي لولاها لما وصل إلينا هذا التراث الإنساني عبر الثقافات البشرية كما يقول أديبنا الجزائري عبدالله ركيبي.
بل ويضيف ركيبي.. “إن مفهوم الثقافة مفهوم مطاط كمفهوم الحضارة والحرية والديمقراطية، وما إليها، لهذا يصعب تحديده تحديدا دقيقا، وغاية الأمر أن نقول إن الثقافة بالمفهوم الذي يتماشى مع واقع الحياة شيء يتجاوز حدود الخبرة والتجربة والدارسة والبحث والإبداع، باختصار الثقافة نشاط فكري إنساني يهدف إلى مصلحة البشرية، وتعينه على ذلك ملكات وقدرات إبداعية منتجة خلاقة”.