+A
A-

أستاذ الفقه الهيتي: جواز تقديم مكافأة غير مشروطة للمتبرع بأعضائه

أكد أستاذ الفقه المقارن عبدالستار الهيتي أن حالات التبرع جائزة ماعدا نقل الأعضاء التناسلية، وفصل موضوع التبرع حسب الأنواع كل على حدة.
وفي مداخلته في ندوة “البلاد” لتشجيع المجتمع للتبرع بالأعضاء، شكر الهيتي صحيفة “البلاد” والقائمين على حملة “حياة جديدة” التوعوية بالتبرع بالأعضاء والتي تساهم في مناقشة مسألة مهمة وحسّاسة تهم جميع المواطنين في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى. 
وقال “نثمّن الحمّلة التي نعتبر أن لها تأصيلاً شرعياً يعتمد على المفاهيم الشرعية العامة وعلى مقاصد الشريعة التي يثبت قواعدها وأصولها التشريعية أن الإنسان يمكن أن يضحّي بنفسه من أجل الآخرين”.
وأفاد الهيتي بأن مسألة التبرع بالأعضاء تعتبر من القضايا المعاصرة وهي من المستجدات الفقهية التي لم تُناقش على مدى القرون الماضية، حيث إن الفقهاء السابقين لم يحتاجوا إليها ولم يناقشوا التبرع أو زراعة أو بيع الأعضاء، حيث إنها وليدة التطورات العلمية والطبية الحديثة.
وأوضح “الأصل في فكرة التبرع من الناحية الشرعية أنه من أهم وأنبل الأعمال التي يتخذها الإنسان المسلم في حياته، لما لها من دور كبير في إنقاذ حياة الآخرين الذين يحتاجون إلى عمليات زرع أو نقل للأعضاء مما يعتبر فكرة التبرع بالأعضاء باباً من أبواب تفريج الكروب عن الناس ورفع الهم عنهم والإحسان إليهم والتعاون على البر والتقوى وكل هذه مفاهيم شرعية تأصيلية”.
وأكمل “أجمع العلماء على أن التبرع بالأعضاء يعتبر صدقة جارية، لأن الصدقة في الإسلام ليست صدقة المال واليد فقط وإنما صدقة التعاون وصدقة التواصل وصدقة التبرع بجزء من من أعضاء الجسد، سواء كان المتبرع على قيد الحياة يوصي بذلك أو مُتوفَّياً يتم الإفادة من أعضائه ضمن الضوابط.
وأضاف أن “الجمهور وفقهاء الأمة يعتبرون أن التبرع بالأعضاء صدقة جارية مشمولة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، ومن أكبر وأجمل أنواع الكرم التي تسود بين الناس أن يتبرع الإنسان بجزء من جسده وبدنه من أجل إحياء أو إفادة آخر”.
وقال “ورد عند الفقهاء أنه لو وجدتَ شخصاً غريقاً يمكن أن ترمي بنفسك في البحر حتى لو غرقت فأنت شهيد، من أجل إنقاذ شخص آخر، فكيف إذا تبرعت بعضو في حالة الحياة أو بعد الوفاة”.
وتابع “أجاز الإسلام هذه المعاني اعتماداً على قوله تعالى (ومن أحياهها فكأنما أحيا الناس جميعاً)، ولدينا قاعدة شرعية تقول إن الضرر ينبغي أن يزال، والقاعدة تقول الضرر يُزال قدر الإمكان، وبناءً على هذه القاعدة شرع الإسلام إسعاف الجريح وإنقاذ المشرف على الهلاك، ولذلك التبرع بإزالة ضرر أو لتحسين حالة مرضية لدى الطرف الآخر من نقص في الدم أو فشل في الكلية أمر محمود ومأجور من الناحية الشرعية”.
وأفاد أن “التبرع ببعض البدن أعلى درجاته في الصدقات الشرعية وبعض العلماء يعتبرون أن فكرة التبرع إضافة إلى كونها نوعاً من أنواع الصدقة، فهي صيغة من الصيغ التداوي مأمور بها شرعاً، فالله لم يَخلق داءً إلا وأنزل معه دواء”.
وأكمل “كما يعتبرون مشروعية نقل الأعضاء بناء على تكريم الله تعالى للإنسان وحرصه على حياته وعدم الإضرار به واتخاذ كل الوسائل التي تحافظ على ذاته وبدنه وتمنع عنه الأذى، ولذلك بعض العلماء يعتبرون التبرع بالأعضاء واجباً شرعياً باعتبار أنه نوع من التداوي المأمور به شرعاً”.
وقال “إن الضوابط التي وضعها العلماء المعاصرون من خلال هيئات الفتوى من خلال المجامع الفقهية ومن خلال المؤتمرات والندوات التي عقدت في هذا الاتجاه، وأكدوا أن التبرع جائز من المسلم إلى المسلم وإلى غير المسلم، لأن المعنى هنا إنساني وليس دينياً، ويجوز التبرع من المسلم إلى غير المسلم، ويجوز من غير المسلم إلى المسلم، لأن الكرامة الآدمية في القرآن والمفهوم الإنساني في هذا الجانب واضح جداً”.
وأضاف “إن عملية نقل ما يتجدد من جسم الإنسان من جلد ونخاع العظم وما إلى ذلك متفق على إباحتها، لا مجال حتى للبحث عنها لأنها جزء من التداوي المأمور به شرعاً، إلا أنه ينبغي أن نركز على نقطة لا توجد في مجتمعاتنا لكن توجد في المجتمعات الأخرى وهي نقل الأعضاء التناسلية المذكّرة والمؤنّثة من الأحياء للأحياء أو من الأموات إلى الأحياء مُجْمَعٌ على تحريمها لأنها تؤدي إلى عملية اختلاط الأنساب”.
وأكمل “ومن الضوابط التي وضعها الفقهاء نقل أعضاء الحيوان إلى الإنسان، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى جوازها عند الضرورة من الحيوان إلى الإنسان، واشترط بعض الفقهاء أن يكون الحيوان من المباح المأكول اللحم، بل إنه حتى غير مأكول اللحم عند الحاجة والضرورة أجاز بعض الفقهاء ذلك، وتقدر كل حالة على حدة وتبحث بين لجنة طبية وشرعية متخصصة وقانونية”.
وأكمل “وأما رأي الفقه الإسلامي في بيع الأعضاء محرم وذلك حتى لا تصبح أعضاء الإنسان محلاً للمتاجرة والمرابحة والبيع والشراء، لكن القول بحرمة بيع الأعضاء لا تمنعه من تقديم مكافأة غير مشروطة، حتى لو تعارف عليها الناس، فلا تكن لها مساومة وكأنها سلعة تباع وتشترى ولا تدخل مجال المفاصلة زيادةً أو نقصاناً، ولا يُحدَّد لها ثمن معين، فهذا من الأمور التي أجازها الإسلام باعتبار قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم)”.
وأكد “اتفق العلماء على جواز التبرع في حالة الموت الحقيقي، أما الموت الدماغي فاختلف الفقهاء المعاصرين إلى رأيين، لكن الرأي المعمول به الآن هو للاستفادة من المُتوفَّى دماغياً بشرط ألا يؤدي ذلك إلى تشويه المتبرع منه، وأن يحكم الأطباء المتخصصون عدم إمكانية عودته للحياة”.
وبيّن “أنه يجور للإنسان أن يوصي بعضو من أعضائه للتبرع بعد موته لنفع الغير ويجوز للورثة إذا لم يُوصِ الميت بأن يتبرعوا ببعض أعضائه بما يحتاج إليه بعض المرضى وتُدرس كل حالة على حدة بِنِيَّة الصدقة عن الميت، كما يجوز أن يتبرع الورثة في حالات خاصة حقيقة وليس بعموم الحالات عندما تكون هناك حاجة ماسّة، يجوز للدولة والجهات المعنية أن تتبرع ببعض أعضاء الموتى لنفع الأحياء وعلاجهم، وبالنسبة إلى الأموات المجهولين الهوية يعتبر السلطان وليهم وإذا لم يكن لهم ورثة فالدولة تقوم بالولاية عليهم”.
وأوضح “يجوز نقل عضو من جسم المسلم إلى غير المسلم والعكس صحيحاً باعتبار قوله تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم)، ولأن النجاسة التي أشار إليها القرآن (إنما المشركون نجس) هي النجاسة المعنوية الفكرية الدينية التعبدية، وليست النجاسة الحسية التي تتصل بألاجسام”.