العدد 5006
الأربعاء 29 يونيو 2022
banner
السلم العالمي والعصر النووي الصيني
الأربعاء 29 يونيو 2022

يوما تلو الآخر يفقد عالمنا المزيد من السلام، وتتزايد الرغبة في العسكرة، من الشرق إلى الغرب، وكأن ما يجري هو قراءة في المعكوس لجهة التوقعات التي صاحبت انهيار الكتلة الشيوعية منذ ثلاثة عقود، والتي واكبتها الرغبة في التخفيف من الأعباء النووية، تلك التي أرهقت ظهر البشرية طوال أربعة عقود ونيف من زمن الحرب الباردة. 
حلم الإنسانية في كوكب خال من أسلحة الدمار الشامل، يبدو وكأنه يتلاشى في حاضرات أيامنا، فقد عاد سباق التسلح النووي بين موسكو وواشنطن من جديد بشكل مخيف، وربما أشد هولا مما كان عليه الحال في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وعلى غير المصدق أن يراجع الترسانة النووية الروسية مؤخرا، ويطالع الإمكانات الجهنمية للصاروخ الشيطاني سارمات، والتسمية هنا للرئيس بوتين، ذاك القادر على حمل عشرة رؤوس نووية دفعة واحدة، والقادر على إبادة ولاية أميركية كبرى بحجم تكساس، عطفا على إمكانيات الغواصة الكهرومائية بوسيدون، والقادرة إلى إحداث تسونامي يغرق مساحات بقدر حجم ولاية نيويورك، ويتسبب في ارتفاع المياه لفوق 500 متر، وما خفي كان أعظم.
وعلى الرغم من أن الجانب الأميركي لم يعلن مؤخرا إلا عن القليل من منتجاته النووية، وبعضها يكاد العقل لا يصدق قدراته، إلا أن المؤكد أن الأميركيين بنوع خاص باتوا مهمومين ومحمومين بعسكرة الفضاء، ونسج شبكتهم الصاروخية من الليزر بنوع خاص، خارج الكرة الأرضية، في مسيرة بدأها الرئيس الجمهوري رونالد ريجان في ثمانينات القرن المنصرم، وأعاد دونالد ترامب إحياءها خلال ولايته الأخيرة. 
إلى هنا يبدو المشهد النووي العالمي تقليديا وغير مغاير، إلا أن الجديد، بل المثير والخطير هو ما يجري بشأن ما بات يسمى بالعصر النووي الصيني، والذي أفردت له مجلة الفورين آفيرز الأميركية ذائعة الصيت مساحة واسعة من أحد أعدادها الأخيرة.. ما الأمر إذا؟
قبل الجواب نشير إلى أنه ومنذ العام الماضي، تتردد تقارير استخباراتية غربية، وأميركية تحديدا بشأن اكتشاف حواضن لصواريخ نووية تحت الأرض، تقوم الصين ببنائها، في طريقها لتشكيل قوة نووية قادرة وقاهرة. 
الحديث المتقدم تم تأكيده الأسبوعين الماضيين على لسان وزير الدفاع الصيني، وي فنغي، في سنغافورة، حين أشار إلى أن بلاده تأخذ كل الاحتياطات لمواجهة أي عدوان يقع عليها، وأنها تستعد نوويا، وإن استخدم تعبيرا مثيرا، وهو العمل على حيازة صواريخ نووية دفاعية، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الصواريخ النووية هي دفاعية وهجومية في ذات الوقت. 
ما الذي يستدعي الصين لبناء منصات لنحو 320 صاروخا نوويا باليستيا عابرا للقارات؟
في قراءته عبر الفورين آفيرز يرى أندريه كريبينيفتش، الزميل الأول لمركز الأمن الأميركي الجديد أن وصول الصين إلى مكانة دولة نووية عظمى، سوف يخل بشكل كبير بالتوازن النووي حول العالم، ذلك أن وجود ثلاث قوى نووية كبرى، سيدفع كل واحدة منها إلى العمل على ردع عدوين بدلا من عدو واحد. 
لماذا تسعى الصين للتصعيد النووي على هذا النحو؟
باختصار غير مخل، تستدعي القطبية الصينية القادمة لا محالة، حماية نووية تتجاوز ما كانت تحتاجه الصين في عقود التنمية، ورغم الصراع القائم مع الولايات المتحدة إلا أنها لا تأمن جانب جارتها الأكبر والأقرب نوويا أي روسيا، رغم ما يبدو أنه تحالف في الوقت الحالي. 
الصين أدركت وبما لا يدع مجالا للشك، أن مشهد أوكرانيا يمكن أن يتكرر في أي وقت، وعلى هذا الأساس تفضل أن تضحى مرهوبة أكثر من أن تكون محبوبة.
أهلا بكم في عالم منزوع السلم نوويا.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية