عجائب كثيرة نراها اليوم وكل يوم، بعضها يحمل رسائل عظيمة في الحياة وأخرى تعبر - بشكل مناقض - عن التفاهة وقلة الحكمة والحيلة، والجهل معاً. ولكم بذلك مثال، فقبل أيام وبينما كنت أعبئ بنزين السيارة في محطة بترول "سلماباد"، اقترب رجل آسيوي كهل من السيارة التي بجواري، وهو يعرض على سائقها المتململ بعض المسابيح البسيطة للبيع، فما كان من السائق إلا أن انهال عليه بالإهانات والاتهامات بالنصب و"الشحاته"، وفي هذه الأثناء توارى هذا الكهل بضعف، وابتعد بصمت، في حين أغلق الشاب نافذة سيارته بكل بساطة، وهو يدخن شيشته الإلكترونية، متجاهلاً قول الله عز وجل "وأما السائل فلا تنهر".

موقف آخر شهدته مؤخراً، وكان قبل الإفطار بربع ساعة تقريباً، حيث وقف شاب ضخم، قوي البنية، أمام "كونتر" البيع في إحدى البقالات، وهو يحمل علبة لبن كبيرة، وكان يتحدث بلهجة شديدة القسوة للبائع هناك.. والقصة كما فهمت أنه سأله عن مدى وفرة اللبن "إنتاج اليوم" فرد عليه البائع الذي كان مشغولا مع بعض الزبائن "شوفها بالثلاجة"، وبعد هذه الكلمة مباشرة، قامت الدنيا ولم تقعد، حيث اعتبرها الشاب إهانة له، وقال للبائع وهو يؤشر بأصابعه "سأقتلع عينيك"، وهنا وقبل أن أتكلم بلحظة واحدة، تدخلت سيدة عجوز لا يقل عمرها عن 70 سنة بالموقف قائلة "أنت وقح.. وتفشل".

تطلع إليها الشاب بدهشة، قبل أن تتابع قائلة "بصورك بتلفوني وبشتكي عليك، مو معناته أن الله عطاك قوة، وجسم كبير، أنك تستقوي على هالفقير، ومو معناته أن عندك مشاكل، أن تحط الحره بغيرك، وحنا في بلد قانون، مو بفوضى"، تطلع لها الشاب بحرج وقال "تهدديني حجيه"، أجابته "إذا بتتصرف جذي مع خلق الله، أنا ببهدلك، مو بهددك"، فما كان منه إلا أن رمى علبة اللبن بعنف على الطاولة، وخرج مسرعاً من البقالة وهو يتمتم بكلمات غاضبة.

وما بين القصة الأولى والثانية بمتن مقال اليوم، نذكر أن الاستقواء على الضعفاء أمر مخز، ونهر السائلين أمر مخز، وإهانة الناس بلا مبرر، ضعف، وقلة حيلة، وقلة تربية أيضا. ودمتم بخير.