العدد 4945
الجمعة 29 أبريل 2022
banner
اليوم العالمي للكتاب يمر هذا العام دون تكريم الكتّاب
الجمعة 29 أبريل 2022

حددت منظمة اليونسكو في عام 1995م الاحتفال باليوم العالمي للكتاب في 23 أبريل من كل عام. وتعد مملكة البحرين من بين أوائل الدول التي استجابت للاحتفال باليوم العالمي للكتاب. فقد بدأت إدارة المكتبات العامة بوزارة التربية والتعليم الاحتفال باليوم العالمي للكتاب اعتبارًا من عام 1997م – حينها كنت مدير المكتبات العامة – سابقة بذلك العديد من دول العالم بما في ذلك معظم الدول العربية.
وقد شجع وزراء التربية والتعليم الذين عاصرتهم وهم: الأستاذ عبدالعزيز بن محمد الفاضل، والدكتور محمد بن جاسم الغتم، والدكتور ماجد بن علي النعيمي، على إقامة وتنظيم احتفالات خاصة باليوم العالمي للكتاب، والذي يتم فيه تكريم مجموعة من المؤلفين البحرينيين يتم اختيارهم وفق معايير محددة. كما يتم تشجيع الباحثين على كتابة بحوث قصيرة تتعلق بتاريخ البحرين الحضاري والثقافي. وكان للأطفال نصيبهم أيضًا حيث يتم تكريم ما لا يقل عن عشرين طفلًا من الفائزين في المسابقات في كل عام.
وقد حرص وزراء التربية والتعليم على حضور الاحتفال باليوم العالمي للكتاب، والقيام بتكريم المؤلفين، وتوزيع الجوائز على الباحثين والمتسابقين، وأصبح الاحتفال باليوم العالمي للكتاب عرسًا ثقافيًا بكل ما للكلمة من معنى.
وعندما افتتح مركز عيسى الثقافي في عام 2008م، أخذت المكتبة الوطنية تقوم بدور تنظيم الاحتفال السنوي باليوم العالمي للكتاب، حيث يتم فيه تكريم المؤلفين وتوزيع الجوائز على الباحثين والأطفال الفائزين في المسابقات.
مر اليوم العالمي للكتاب في 23 أبريل من هذا العام 2022م دون الاحتفال به، ودون تكريم مجموعة من المؤلفين والباحثين. وكان الأجدى أن تقوم المؤسسات المعنية بالثقافة والكتاب بالمحافظة على الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وتكريم كوكبة من المؤلفين المبدعين والباحثين المتميزين تشجيعًا لهم.
وإذا كانت منظمة اليونسكو اهتمت بالكتاب وخصصت له بدءًا من عام 1995م يومًا واحدًا وهو 23 أبريل من كل عام للاحتفال به.. فإن الدين الإسلامي الحنيف اهتم بالكتاب وتقدير العلم والعلماء منذ مبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أي منذ أكثر من 1400 سنة.
ويكفي أن يعلم الجميع أن الدين الإسلامي العظيم بدأ بكلمة (اقرأ) وبذكر كلمتي (العلم والقلم). فقد قال جلا وعلا: (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم). وهذه أول أية من القرآن الكريم نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. 
وفي دراسة قام بها كاتب المقال حول عدد كلمة (الكتاب) التي وردت في القرآن الكريم وتم نشرها في كتاب (المكتبات في العصور الإسلامية) الصادر في عام 1996م، بلغ 260 مرة، وهذه دلالة على أهمية الكتاب لتطوير حياة البشرية من جميع مجالات الحياة.
اهتم العرب الأوائل بالقراءة والكتابة وتقدير رجال العلم والمعرفة. وبلغ شغف العرب بجمع الكتاب واقتنائها حدًا لم تبلغه شعوب العالم السابقة. وكان من نتيجة جمعهم الكتب وتأسيس المكتبات بناء حضارات بهرت الأمم حينذاك كالحضارة الأموية، والعباسية، والفاطمية، والأندلسية. فقد نمت ظاهرة الاهتمام بجمع الكتب وتأسيس المكتبات وانتشار فئة الوراقين اعتبارًا من العصر العباسي. فقد تأسست في بغداد مكتبة بيت الحكمة على يدي هارون الرشيد، وطورها وزاد من مقتنياتها ابنه المأمون الذي عرف بشغفه بالقراءة وجمع الكتب، فأصبحت مكتبة بيت الحكمة في عهده أكبر مركز ثقافي في العالم آنذاك. فقد وصف (ول ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة) بيت الحكمة بأنها مجمع علمي، ومرصد فلكي ومكتبة عامة. وقال عنها ابن خلدون إن الإسلام مدين إلى هذا المعهد العلمي باليقظة الإسلامية الكبرى.
كانت المكتبة الثانية التي عرفتها البشرية مكتبة دار العلم أو دار الحكمة في القاهرة. فقد وصفت المستشرقة الألمانية (زيغرد هونكه) في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) اهتمام الخليفة العزيز بالله الفاطمي المتوفي سنة 996م بتأسيس مكتبة ضخمة في قصره بالقاهرة حيث تقول: (لا يستطيع أحد أن يقارن نفسه بالخليفة العزيز بالله في القاهرة، حتى خليفة قرطبة الذي بعث رجاله وسماسرته في كل أنحاء الشرق ليجلبوا له الكتب فيزيد روائع مكتبته. أنّى له أن يصل إلى ما فعله العزيز. لقد حوت مكتبة العزيز مليون وستمائة ألف مجلد، ضمت 6500 مخطوطة في الرياضيات، و 1800 مخطوطة في الفلسفة).
وصف المقريزي دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله بقوله: (حصل في هذه الدار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله من الكتب التي أمر بحمله إليها من سائر العلوم والآداب ما لم ير مثله مجتمعًا لأحد قط من الملوك).
وذكرت زيغرد هونكه أن دار الحكمة التي أسسها الحاكم بأمر الله بهرت جربرت فون أوريك الذي ارتقى كرسي البابوية في روما سنة 999م باسم البابا سلفستر وس الثاني وقال متحرًا: (إنه لمن المعلوم تمامًا أنه ليس ثمة أحد في روما له من المعرفة ما يؤهله لأن يعمل بوابًا لتلك المكتبة. وأنى لنا أن نعلم الناس ونحن في حاجة لمن يعلمنا، إن فاقد الشيء لا يعطيه).
هكذا يعلمنا التاريخ أن سر بناء الحضارات وتقدم المجتمعات البشرية، مرهون بالاهتمام بالعلم والمعرفة وتكريم العلماء والادباء والكتاب. وقد روى ابن حيان والحاكم والبهيقي وغيرهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع) ومعنى ذلك أن الملائكة يخفضون أجنحتهم تواضعًا لطالب العلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية