العدد 4897
السبت 12 مارس 2022
banner
الإعلام والحرب الروسية الأوكرانية
السبت 12 مارس 2022

شكل الإعلام على مدى عقود طويلة أداة رئيسية من أدوات إدارة الحروب والصراعات، سواء كوسيلة من وسائل الحشد والتجنيد وبث روح البطولة والتحفيز في جنود وشعب البلد الذي ينتمي إليه، أو كوسيلة للحرب النفسية وتزييف الحقائق وإضعاف الروح المعنوية لجنود وشعب البلد العدو.
بطبيعة الحال لم تكن الحرب الروسية - الأوكرانية استثناء عن هذا التطور، بل كانت تجسيداً حياً لكيفية استغلال وتوظيف الإعلام كوسيلة رئيسية من وسائل إدارة الحرب والصراع بين الجانبين الروسي والغربي "الداعم لأوكرانيا"؛ حيث تعامل الإعلام الغربي مع الحرب باعتبارها فرصة سياسية، يمكن توظيفها في التحريض ضد روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين من أجل عزلهما دولياً، فعمدت تشويه وشيطنة صورة الرئيس الروسي وتضخيم خسائر الجيش الروسي من ناحية، وكذلك حجم الدمار الذي خلفته الحرب على أوكرانيا وشعبها من جهة أخرى.
وفي هذا السياق نشرت العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية والمحطات التلفزيونية الغربية مقابلات وتحليلات ومقالات رأي للعديد من الكتاب، ركزت أغلبها على تشويه صورة روسيا ورئيسها بوتين، والتشكيك في سياساتها الخارجية وأسباب ودوافع حربها على أوكرانيا. 
وبالرغم من مزاعم انتهاج الإعلام الغربي معايير النزاهة والموضوعية والحيادية، فإن تغطيته هذه الحرب أظهرت انحيازاً واضحاً في التعامل مع مجرياتها، فكل ما تم ويتم بثه على مدار الساعة يصب في اتجاه واحد هو الرأي الذي يهاجم روسيا ويحملها المسؤولية كاملة ويشوه صورتها من أجل شحن الرأي العام العالمي ضدها، كما تميز هذا الإعلام بالانتقائية في نشر ما يخدم توجهات القائمين عليه، واستبعاد أية آراء تحاول عرض الأمر من وجهة النظر الروسية من حيث أسباب ودوافع ومبررات هذه الحرب.
ولم يكتف الغرب بذلك، بل عمل على تكميم وسائل الإعلام الروسية من خلال حظر القنوات التي تعبر عن وجهة نظر موسكو مثل روسيا اليوم وسبوتنك، بل وقامت شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى التي تدير وسائل التواصل الاجتماعي بمنع وسائل الإعلام الروسية التي تمولها الدولة من استخدام تقنيتها الإعلانية لجمع إيرادات على مواقعها وتطبيقاتها، في حين سمحت هذه الشركات بنشر محتوى غير موثوق بثته بعض الجهات الإعلامية في أوكرانيا والغرب بما في ذلك فيديوهات وأفلام وتقارير مزيفة حول حالات الذعر التي تنتاب المدنيين عند إطلاق صافرات الإنذار أو تعرض صور أسرى من الجنود الروس أو صور آليات روسية مدمرة تبين لاحقاً أنها جميعها مزيفة وغير حقيقية، وذلك لتحقيق الهدف من هذه الحملة الإعلامية.
في المقابل، يمارس الإعلام الروسي الدور ذاته، من خلال تصوير الحرب المستعرة في أوكرانيا بأنها "عملية عسكرية خاصة" وليست حرباً، واتهام الغرب وتحميله المسؤولية عن هذه العملية الروسية التي تصفها وسائل الإعلام الروسية بأنها ضرورية لوقف توسع الناتو شرقاً وتقليل التهديد الأمني للناتو، وإظهار جوانب التفوق الروسي في الحرب مع التغطية على خسائر موسكو الكبيرة فيها، ووصل الأمر إلى حد قيام السلطات الروسية بالتحذير من حظر أية وسيلة إعلام روسية مستقلة لا تغطي الحرب بالطريقة التي تريدها موسكو وسلطاتها العسكرية. كما أعلنت موسكو أنّها فرضت "قيوداً على الوصول" إلى فيسبوك في روسيا وذلك رداً على القيود التي فرضتها الشركة على المحتوى الروسي.
لقد أظهر تعامل الإعلام الغربي والروسي على السواء طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به الإعلام في إدارة الصراعات السياسية بين الدول، وأكد أنه يمكن أن يكون سلاحاً مدمراً للصورة الذهنية إذا لم يكن للدولة رصيد من شبكة العلاقات العامة مع الدوائر الإعلامية في العالم.
كما أكدت هذه الحرب من جديد حقيقة أن الإعلام بات سلاحاً فعالاً يمكن توظيفه لقلب موازين القوى، وأنه أصبح أحد أهم أدوات الاشتباك الجديد بين الدول، ليتجاوز بكثير دوره التقليدي باعتباره وسيلة لنشر الأخبار أو تسليط الضوء على قضية إنسانية أو أمنية فقط، إنما هو رأس الحربة في إدارة الحروب والأزمات السياسية بين الدول.
لقد بات الإعلام في عصر الأزمات أهم أدوات إدارة الحروب والخلافات السياسية بين الدول، وتهديد أمنها القومي، لهذا من الضروري أن يلتفت القائمون على الإعلام إلى هذه الحقيقة من خلال الإعلام الخارجي، وبناء كوادر متخصصة فيه تستطيع مخاطبة الخارج والتواصل مع الرأي العام الدولي والتأثير فيه.

 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية