العدد 4896
الجمعة 11 مارس 2022
banner
إيقاف العمل في بورصة موسكو
الجمعة 11 مارس 2022

البورصات وأسواق المال تشكل “ترومومتر” لقياس درجة الاقتصاد في البلد، وذلك للعديد من الأسباب الاقتصادية والمالية والقانونية، ومنها أن البورصات تعمل وفق قوانين ذات معايير سليمة لتأهيل الشركات للإدراج وعرض بضاعتها من أسهم وسندات وغيرها. وهذا يبيّن أن على الشركات بذل الجهد الجهيد للحصول على الموافقة للإدراج في بورصة وسوق الأسهم، والهدف الأساسي من هذا حماية المستثمر الذي يأتي للاستثمار في هذا السوق الحسّاس المتقلب المزاج. وإذا لم يأتِ المستثمر لن تتحرك السوق وتظل خالية الوفاض.
وبموجب المعايير الفنية والقانونية على الشركات، وبعد الحصول على الموافقة بالإدراج لتداول أسهمها، عليها الحرص المستمر والدائم في الالتزام بالشفافية والإفصاح التام بكل ما يتعلق بالشركة وأعمالها وإدارتها وأرباحها وخسائرها وبرامجها الحالية والمستقبلية وما في جعبتها من أفكار للتطوير والنمو. كل هذه المعلومات يجب أن تتم وأن تُقدَّم بأعلى معايير الشفافية والإفصاح مع تحمُّل المسؤولية المرتبطة بهذه الأعمال... وإدارة الأسواق تراقب كل هذه التصرفات للتأكد منها ومن صحتها وملاءمتها أو عدم ملاءمتها، وهكذا تدور الأمور، وكل هذا بهدف توفير الحماية الكافية للمسنثمرين وللسوق وكذلك للاقتصاد الوطني.
بعد التزام الشركات المدرجة بالقوانين والأنطمة والمعايير المطلوبة، تستمر في عرض أسهمها لجمهور المستثمرين الذين يقومون بالبيع أو الشراء بواسطة الوسطاء المرخصين لهذه المهمة الفنية. وهذا يتم، والجهات الرقابية وإدارة الأسواق والبورصات تراقب عن كثب وتتابع وتوجِّه وتنصح وتمنع، وهذه الإجراءات تتم بحذافيرها تطبيقًا للقوانين ذات العلاقة وامتثالًا لها، والجميع يسير وفق هذا الخط المستقيم حمايةً للسوق ومَنْ به. 
وللحقيقة، إن التعامل في أسواق المال يتميز بأنه “متقلب” و”متأرجح” طلوعًا ونزولًا في الأسعار، والفيصل هنا هو السوق وحده في ظلِّ المنافسة الشريفة. ولذا؛ ترتفع  أسعار أسهم الشركات الناجحة في وقت العرض والعكس أيضًا قد يحدث. وهناك عوامل داخلية في الشركة تؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض أسعار بضاعتها من الأسهم. وهناك أيضًا أسباب خارجية بعيدة من الشركة وخارج إرادتها وتؤدي أيضًا إلى ارتفاع أو انخفاض الأسعار. 
هذه الأيام قفز خبر قفل بورصة موسكو وإيقاف العمل فيها، وذلك بالطبع بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. حيث وقف العالم ضد روسيا وشنّ عليها حربًا اقتصادية شعواء. ولقد أتت هذه الحرب الاقتصادية أُكُلُها سريعًا جدًا وتداعى الاقتصاد الروسي، حيث تدخَّل البنك المركزي الروسي عدة مرات في أسعار الفائدة، وتوقفت التجارة مع العالم وانهارت الأسعار وخاصة أسعار الأسهم والسندات في بورصة موسكو.
إن من المهام الرئيسية لإدارة أسواق المال والبورصات مراقبة سير أسعار الأسهم والتدخل فورًا إذا حدث تغيير سريع وكبير في الأسعار. وهذا التغيير قد يكون بالطلوع أو النزول لأسعار الأسهم حسب الحال. من الواضح للعيان، أن للحرب الاقتصادية ضد روسيا مفعول السحر حيث أدّت سريعًا لانهيار وتذبذب أسعار الأسهم وانخفاضها لدرجة حادّة؛ ولهذا كان لابد من تدخل إدارة البورصة والأمر بقفل البورصة وإيقاف التداول تمامًا حمايةً للسوق وللمستثمرين. وهذا التصرف سليم، ولكنه يدلّ بصورة واضحة على أن الحرب الاقتصادية قد تكون أنجع وأكثر فعالية من الحروب الأخرى في بعض الأوقات وبعض الظروف.  
إن إيقاف العمل في بورصة موسكو، يعتبر مؤشرَ انهيار التجارة والاستثمارات في روسيا وهذا الوضع قد يستمر لفترة من الزمن لا يدري أحد متى نهايتها. وهناك انعكاسات على الشركات المدرجة في بورصة موسكو، وقد تقود هذه الانعكاسات لعدم إعادة أدراج بعض الشركات المدرجة وشطبها من القيد في سجل البورصة لفترة دائمة، أو قد يتم الشطب لفترة مؤقتة محددة. وكل هذا بالطبع يعود لقرار إدارة البورصة ومدى تأثُّر الشركة بالحصار الاقتصادي، ومدى أثره على ربحيتها واستمراريتها في السوق وتحمُّل المنافسة، مع مراعاة عدم تأثُّر وضع المستثمر أو التقليل من حمايته.
قفل بورصة موسكو وإيقاف العمل فيها، أحدثَا دويًّا وبيَّن بداية الانهيار، وأكيد سنظل على هذا الاحتمال حتى يتم تأهيل بورصة موسكو وفتحها للمستثمرين وعندئذٍ ستظهر لنا بداية التعافي من الانهيار والخروج من آثار الحرب الاقتصادية. ومن هنا، نقول إن سوق المال أو البورصة تعتبر “ترموميتر” لقياس درجة الاقتصاد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية