+A
A-

"مكتبة العائلة".. من غرفة مستأجرة صغيرة إلى أول مكتبة إنجيلية في الخليج

جميعنا دخلنا واشترينا الكتب والمجلات من "مكتبة العائلة" الشهيرة الواقعة بالقرب من مستشفى الإرسالية الأمريكية، ونهل من رفوفها الكثير من الشباب الذي كان ينتظره النبوغ، فكانت هي على عتبة الحياة الثقافية في وقت من الأوقات، وسارت في خط متواز مع الحركة الثقافية في البحرين ومناهل الثقافة والمعرفة.
في كتابه الجديد "تاريخ الأشياء" يسرد لنا نادر كاظم قصة "مكتبة الكتاب المقدس" أو مكتبة العائلة كما نعرفها، وهي أول مكتبة تجارية في البحرين.
يقول الكاتب: "حين جاء صمويل زويمر إلى البحرين قادما من البصرة ليؤسس المحطة الثانية للإرسالية العربية، لم يكن يحمل معه من عدة الشغل سوى حقيبة الأدوية والمعدات الطبية وحقيبة الكتب الإنجيلية.
تأسست الإرسالية العربية في البحرين في العام 1892، لكن زويمر كان لاهوتيا ولم يكن طبيبا، نعم تلقى تدريبا طبيا بسيطا ساعده في استخدام حقيبته الطبية في السنوات الأولى، لكنه كان مبشرا لاهوتيا قبل كل شيء؛ الأمر الذي يعني أن العمل التبشيري وتوزيع الأناجيل والكتب والكراريس المسيحية أهم بالنسبة إليه من الطب وعلاج المرضى؛ ولهذا افتتح زويمر أول ما افتتح "مكتبة الكتاب المقدس" في العام 1893. لم تكن سوی مخزن کتب في غرفة مستأجرة صغيرة ومظلمة بلا نوافذ ، وتقع فوق مستودع، وبجوار مقهى كبير في منطقة الصباغين".

"في سوق الطواويش"

توسعت المكتبة، بعد ذلك، واستأجرت لها مكانا بالقرب من سوق الطواويش في المنامة، إلا أنها ظلت تستأجر مكانها حتى العام 1910، مما جعلها عرضة للتهديد بإلغاء العقد في أية لحظة. وفقط في يوليو 1910 تمكنت المكتبة من امتلاك مكانها الخاص في سوق الطواويش. كانت الإرسالية تطالب منذ مدة، بالسماح لها بشراء مكان للمكتبة، إلا أن الشيخ عيسى بن علي کان مصرا على رفض هذا الطلب، وكان يرى أن تأجير المبشرين أفضل من بيعهم؛ حتى لا يكون لهم أية علاقة بعمليات البيع والشراء في السوق، إلا أن الإرسالية تمكنت بمساعدة دار الاعتماد البريطاني من شراء مكانها الخاص وسط السوق وتحويله إلى مكتبة في يوليو 1910، بنيت المكتبة في العام 1911، والمكان كان، في الأصل، ملكا لشركة كانت تستأجر السلاح، وهو ما وافق عليه الشيخ عيسى بن علي بعد أن اشترط عدم الإساءة إلى الإسلام في هذه المكتبة، وعدم بيع المكان أو التصرف فيه إلا بعد التشاور مع الحاكم.
فقدت مكتبة "الكتاب المقدس" الكثير من بريقها وأهميتها بعد تأسيس المكتبات التجارية المحلية منذ العام 1920 فصاعدا "مكتبة التاجر، والمكتبة الكمالية، والمكتبة الوطنية... إلخ)، إلا أن العام 1967 حمل بشائر إيجابية للمكتبة، وهي بشائر كانت قادمة من مصائب عدن جنوب اليمن بعد حادثة الحريق.
كانت الإرسالية الأمريكية في البحرين أحد البدائل المطروحة. كان التفكير في مشروع مشترك بين الإرساليتين، الدنماركية والأمريكية، قد بدأ في العام 1965، وفي 22 يوليو 1967 قامت طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني بنقل العاملين في الإرسالية الدنماركية في عدن إلى البحرين، مكث هؤلاء هنا لمدة خمسة أيام قبل الذهاب إلى روما ثم إلى الدنمارك إلى حين معرفة وجهتهم الجديدة. زاروا خلال وجودهم في البحرين، الإرسالية الأمريكية. وبحسب "يورغن بیدرسن"، فإن العاملين في إرسالية البحرين "كانوا قد سمعوا عن نجاح مكتبة الإرسالية الدنماركية في عدن، فقدموا إليَّ طلبا للقدوم إلى البحرين، وتأسيس عمل ثقافي مماثل، وهو توسيع متاجر الكتاب المقدس الثلاثة في الخليج، في الكويت والبحرين وعمان".

"كراج ملاصق لمستشفى الإرسالية الأمريكية"

شهدت المكتبة في المنامة نقلة نوعية في مبيعاتها، حيث أول ما قام به "بيدرسن" هو التفكير في التوسع خارج السوق القديمة، وانتهى إلى ضرورة افتتاح فرع ثان للمكتبة خارج السوق وممراتها الضيقة، ووجد " كراج" ملاصق لمستشفى الإرسالية الأمريكية، فاعتبره أنسب مكان لانطلاقة جديدة للمكتبة. جرى العمل على تهيئة هذا "الكراج" في العام 1968، وفي 15 مارس 1969 جرى الافتتاح الرسمي لهذا الفرع الجديد الذي مثل بداية الصعود لمكتبة الإرسالية ومبيعاتها.
ضاعف "بيدرسن" من نجاحات المكتبة على نحو سريع، وحصل في العام 1970 على ترخيص من حكومة البحرين بافتتاح فرع ثالث للمكتبة في مكان أكثر حيوية هذه المرة، في مبنى المسافرين في مطار البحرين الدولي الجديد حديث الافتتاح آنذاك.
وفي العام 1972 بدأت المكتبة في تنويع أساليب التسويق، فطبعت العديد من البطاقات البريدية، وأقامت معرضا للكتاب افتتحه الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وحضره الشاعر الكبير إبراهيم العريض. وبحلول العام 1973 صار على المكتبة أن تتوسع أكثر وأكثر، فجرى العمل على تصميم مبنى جديد للمكتبة، بحيث يكون أكبر من سلفه، ويتألف من طابقين.

"من المكتبة العامة إلى مكتبة العائلة"

أصبح المبنى جاهزا في سبتمبر 1973، كما أصبحت المكتبة تتسع الآن لأكثر من 70 ألف عنوان متنوع، وقد افتتح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، وكيل وزارة الإعلام آنذاك، مبنى المكتبة الجديد، لكن المكتبة الجديدة حملت اسما مختلفا، فقد تغير اسمها من "المكتبة العامة" إلى الاسم الشهير والأخير للمكتبة "مكتبة العائلة".
وبعد ذلك يتحدث الكتاب عن طرح "مجموعة مكتبة العائلة" للبيع في العام 2000، وبعد مفاوضات عديدة لبيع المجموعة لأكثر من مشتر، أو لنقل ملكيتها لمجموعات مسيحية أخرى، إلا أن اجتماعا عقد في بيروت في 10 فبراير 2004، كتبت كلمة النهاية في مسيرة هذه المكتبة العريقة، حيث أعلن "مجلس كنائس الشرق الأوسط" عن إتمام عملية بيع المجموعة، ومع بيعها، يكون الستار قد أسدل عن أول مكتبة إنجيلية في البحرين وفي الخليج.