العدد 4721
الجمعة 17 سبتمبر 2021
banner
على الأدباء الاستقالة من كل زمن
الجمعة 17 سبتمبر 2021

كم من أديب أعطى من أغوار وجدانه، ومزق قلبه وشظايا كبده، وكان يغترف أدبه من ينبوع الحياة، فلا يتحذلق ولا يتكلف ولا يتصنع، وخلف كتبا كثيرة تختلف في ألوانها وتتفاوت في طيب نكهتها، لم يحصل من مجتمعه على التقدير وبقي في بحر مفتوح من اللامبالاة، مستسلما لطاحونة “التطنيش”، بينما غيره في الميادين المختلفة يحصل على المزايا والتشجيع ومن الطبيعي أن تتجه الأنظار إليه كونه أصبح مثل القنديل الذي ينير الطريق – كما – يتصورونه.

أدباء تميزوا بالأفكار المجلجلة المدوية في سماء المجتمعات كافة، واتصفوا بالقلوب والعقول الكبيرة والقناعة، ولا يطيقون الألقاب الطنانة، ولهذا السبب نجدهم محجوبين عن الشهرة والوجاهة الاجتماعية، ومعزولين عن المجتمع في صورة غريبة تحد من الطاقات المبدعة وتحترق فيها الكلمات، وكأن هناك هجوما على الأدباء وطموحاتهم النبيلة، حساسية جديدة تحتجب وراءها إبداعات الأدباء وقوة أفكارهم وكلماتهم، بينما الآخرون في الميادين المختلفة يتم تقديسهم بمرتبة الشرف، كمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الذين فرضوا بسخافاتهم وتهريجهم نمطا غريبا من الإسفاف، جاعلين من هذا الشكل الذي يقدمونه ملاذا للروح الغبية التي تصدقهم وترقص على أنغامهم.

في عصرنا المليء بالتناقضات العميقة يبدو أنه لا مكان للأديب والكاتب الملتزم، فصورة الإهمال أخذت تتغلغل بصورة مخيفة في حياة الأدباء، فلا فضائيات تهتم بهم، ولا صحف، ولا مجلات، بل هناك تقاليد صارمة عند التعامل معهم فيما يتعلق بالنشر والكتابة، وهذا المناخ لا يمكن أن يكون مقبولا في مجتمعاتنا العربية التي كانت في السابق تعتبر الأديب عمود المجتمع وأداة مهمة من أدوات الإصلاح والتنوير، حيث صار من الملحوظ في الفترة الأخيرة غربة الأديب عن المجتمع وبقاء أعماله وإبداعاته في كتمان الأدراج المغلقة، وكأن هناك صوتا قادما من بعيد يقول.. على الأدباء الاستقالة من كل زمن.

للأسف هناك نغمة جديدة لم يكن قد عرفها المجتمع العربي من قبل، نغمة حزن الأديب وابتعاده عن عيون الناس.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .