العدد 4699
الخميس 26 أغسطس 2021
banner
سلطة الكارهين للثقافة على كرسي الرقابة
الخميس 26 أغسطس 2021

هناك مشكلة كبيرة في عالمنا العربي احتدم حولها نقاش لا يخلو من الانفعال، وهي مشكلة الرقابة على الفكر، فهناك من يرى أن الثقافة وما يطرحه أهل الفكر ليس في ترتيب الأولويات، ولا يمكن الاستفادة بأي شكل من الأشكال من أطروحات الأدباء والمثقفين حتى لو كانوا يتمتعون بغزارة العلم وعمق البصيرة، وما أكبرها من طامة حينما يتم توظيف أحد أولئك الكارهين للثقافة والفكر والأدب في موقع الرقيب في أية جهة، حيث سيبدأ الخوض في التفصيلات المتعلقة بالإبداع بدون أية خلفية وخبرة، ويحاول إعطاءه وظيفة خارجة عن كونه إبداعا، ويتناول الموضوع من خلال نظرة دينية فقط وينظر إليه من زاوية منحرفة لا تتعدى نطاق الاختيار بين بضاعة أو أخرى كما لو أنه في السوق.

لا يمكن أن تتحول الأمة العربية إلى طليعة إنسانية شاملة وهي مازالت تؤمن بوجود أولئك القوم المبشرين بالتخلف، وتمنحهم الموقع والمركز الذي يتيح لهم القمع الفكري والتفاخر باستعمالهم مقص الرقيب، وهم لا يعرفون أصلا أن ما يسبغ على الفن والأدب قيمته ليس صحة رسالته التجريدية ولا آيديولوجيته الواعية، إنما غناه المادي في تعبيره عن الحياة بكل امتلاء تعقيداتها، فكم من رواية عظيمة منعت من النشر ولم تصل إلى الجماهير العريضة بسبب سلطة الكارهين للثقافة، وكم من فيلم سينمائي اشتغل عليه أصحاب المواهب والملكات الخلاقة تم الحكم عليه بالإعدام في غرفة الرقيب لأسباب مضحكة، وسطحية، لأن اقتناص الرأي الصائب والعملي أمر نادر الوقوع، فأولئك القوم الكارهون للثقافة لا تجد في قاموسهم سوى عبارة المنكر والانحراف، وكما يقال إن كل ساخط وكل فاشل متشوق لإثبات ذاته في مكان غير مكانه، وهنا تكمن عناصر القوة وعناصر الضعف في أي مجتمع كان.

كيف نطالب بالوصول إلى الأعلى ونحن نعطي مهمة الرقابة على الفكر والأدب لجماعة تنفر من كلمة الثقافة نفسها، وهذا يحدث لأول مرة في التاريخ.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية