+A
A-

العيد مقاصد وسنن

يعود علينا العيد لنظهر الفرح والسرور والبهجة بفضل الله علينا في هذا اليوم، الذي اقترن بمناسبات دينية وعبادات عظيمة، فعيد الفطر بعد شهر الصيام وأداء زكاة الفطر، وعيد الأضحى اقترن بركن الحج العظيم؛ حيث يَفِد المسلمون إلى بيت الله الحرام من كل فجّ عميق، ويتقرب فيه الناس بالأضاحي؛ عملاً بهدي أبيهم إبراهيم عليه السلام - الذي أُمر بذبح ابنه، فلذة كبده، وثمرة فؤاده لمّا بلغ أشده، فبادر مسارعًا، واستسلم إسماعيل منقادًا، ولما تأكد عزمه على طاعة ربه فداه بذبحٍ عظيم -، ويتقربون بالأضاحي اتباعًا لسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

إن هذه المناسبة الدينية شُرِعت لتحقيق مقاصدَ إيمانيةٍ ومجتمعيةٍ، وارتبطت معها أحكام وسنن نبوية، فمِن معاني العيد التحدث بنعمة الله، وتعظيم شعائره، وإعلاء ذكره، بالتكبير في كل مكان وعلى جميع الأحوال؛ تكبيرات ممزوجة بتوحيد الله وبحمده، وفي العيد يجتمع المسلمون في مظهرٍ من مظاهر الوحدة والتقارب، واجتماع الكلمة.

وقد اقترن يوم العيد بأعمال؛ فمِن أولى تلك الأعمال صلاة العيد، وأول ما يبدأ به المسلم يومه التوجه إلى مصلى العيد لأداء الصلاة مع إخوانه المسلمين بعد شروق الشمس وارتفاعها، قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، ويسن تقديم صلاة الأضحى في أول الوقت حتى يتسع وقت الأضحية. وتبدأ صلاة العيد بركعتين؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّمَ خَرَجَ يَومَ أَضْحَى، أَوْ فِطْرٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا"، بغير أذان ولا إقامة، ويجهر الإمام فيهما بالقراءة، ويكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، وقد كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَقْرَأُ في العِيدَيْنِ، وفي الجُمُعَةِ بسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى، وَهلْ أَتَاكَ حَديثُ الغَاشِيَةِ، ثم يخطب فيهم الإمام بما يتناسب مع مقام العيد، ويبين أحكام الأضحية، ويذكرهم بما يشرع في العيد من أعمال.

ومن فاتته صلاة العيد يشرع له قضاؤها على صفتها، ويُسنُّ لمن يحضر العيد أن يغتسل ويلبس أجمل الثياب؛ فقد كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يلبسُ في العيدينِ أحسنَ ثيابِهِ، ويغتسل قبل أن يذهب إلى المصلى، ويسن أن يذهب من طريق ويرجِع من طريق آخر؛ فكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ؛ حتى تشهد له تلك الطرق وهو يقصد طاعة الله، ويظهر الشعيرة، ويسلم على من يلتقي به، وقد يعين المحتاج السائل الذي قد يقابله. ويسن أن يمسك عن الطعام حتى يأكل من أضحيته؛ فقد كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغْدو يَومَ الفِطْرِ حتى يَأكُلَ، ولا يَأكُلُ يَومَ الأضْحى حتى يَرجِعَ، فيَأكُلَ مِن أُضحِيَّتِه، ويحرم صيام يوم العيد وأيام التشريق بعده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: *"أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عن صِيَامِ يَومَيْنِ يَومِ الأضْحَى، وَيَومِ الفِطْرِ".

ومن أعمال يوم العيد: *الأضحية: وتشرع الأضحية لمن كانت عنده مقدرة، وتبدأ من بعد صلاة العيد حتى ثالث يوم من أيام التشريق، وقد ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ، قال أنس _ رضي الله عنه _ "فَرَأَيْتُهُ واضِعًا قَدَمَهُ علَى صِفَاحِهِمَا، يُسَمِّي ويُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُما بيَدِهِ"، وفي الأضحية معانٍ إيمانية وآدابٌ عملية، فهي ترتبط بالتضحية والفداء، وكذلك المؤمن يقدم وقته وماله وجهده وعلمه وجاهه لنصرة دين ربه. *التكبير:* ويشرع في عيد الأضحى التكبير المقيد عقب الصلوات، قال تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ)، قال ابن عباس –رضي الله عنهما- : "الأيام المعدودات" أيام التشريق، ويبدأ التكبير من فجر يوم عرفة إلى ثالث أيام التشريق، ومن صيغ التكبير : *الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد*، كما يشرع الاستمرار في التكبير المطلق في الأسواق والبيوت، قال صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وذكرٍ لله". كذلك يشرع التوسعة على العيال يوم العيد، حتى يشعروا بالفرح في هذا اليوم، و تبادل التهاني؛ فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعضٍ: *"تقبَّل الله منا ومنك"، والعيد فرصة لتصافي النفوس، وانطفاء نار الأحقاد، وصلة الرحم، وإن كان عيدنا يُقبِل هذا العام والعالم يمر بظروف استثنائية، وإجراءات احترازية استوجبت الحد من التجمعات إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة يمكننا من خلالها تحقيق الواجب مع اجتناب آثار الاجتماعات. نسأل الله تعالى أن يرفع الوباء والبلاء، وأن يعيد علينا العيد أعواماً عديدة باليُمن والخير والبركات.